[*هارون الرشيد]
هو «هارون بن محمد المهدى»، وُلد بالرى فى آخر (ذى الحجة
سنة ١٤٥هـ= فبراير سنة ٧٦٣م)، وتولى الخلافة فى الليلة التى
مات فيها أخوه «الهادى» وعمره اثنان وعشرون عامًا. ويُعدُّ
«الرشيد» أشهر خلفاء العباسيين وأبعدهم صيتًا، فقد ملأت
أخباره كتب التاريخ شرقًا وغربًا. اهتم «الرشيد» بإقامة العدل
فى الناس، فأمر بإعادة الأراضى التى اغتصبها أهل بيته فى
عهد الخلفاء السابقين إلى أصحابها، ورفع الظلم عن
المسجونين ظلمًا، وقسم أموال ذوى القربى بين «بنى هاشم»
كلهم بالعدل، وأصدر عفوًا عن المعتقلين السياسيين، فأخرج من
كان فى السجن من العلويين، وسمح لهم بالعودة إلى
«المدينة»، ومنحهم الرواتب، كما أجرى «الرشيد» تعديلات
واسعة فى مناصب الدولة فى كل من «مكة» و «المدينة»
و «الطائف» و «الكوفة» و «خراسان» و «أرمينية» و «الموصل».
تمتع البرامكة فى بداية عهد «الرشيد» بالسلطة والجاه والنفوذ،
وتقلدوا مناصب الدولة المهمة، حتى إذا جاء شهر (صفر سنة
١٨٧هـ= يناير سنة ٨٠٣م) أمر «الرشيد» بسجنهم، ومصادرة
أموالهم وممتلكاتهم، فيما عرف فى التاريخ بنكبة البرامكة.
ازدهر المجتمع فى عهد «الرشيد» اقتصاديا وثقافيا وعلميا
وعمرانيا، فقد تدفقت الأموال من كل مكان، واتسعت رقعة الدولة
واستقر الأمن بها وازدهرت التجارة، وأصبحت «بغداد» قبلة
للطامحين فى الثراء والترف، كما قصدها النوابغ والعباقرة
والصناع المهرة من سائر الشعوب، وشيدت فيها القصور الرائعة
والمساجد الكبيرة، وانتشرت الحدائق العامة، والأسواق
المتخصصة كسوق الذهب والنحاس، والنسيج وغير ذلك. وكان
«الرشيد» على قدر عالٍ من الثقافة والمعرفة، واجتمع عنده
أقطاب العلم والعمل والسياسة والحرب مثل: «أبى يوسف» تلميذ
الإمام «أبى حنيفة»، و «الأصمعى» الراوية المشهور، و «أبى
العتاهية» و «أبى نواس» من الشعراء، وداهية السياسة «يحيى
البرمكى» وابنيه «الفضل» و «جعفر»، ومن المغنين «إبراهيم