الفصل التاسع
*النظم والحضارة فى عهد المماليك
النظام الحربى والبحرى:
لاشك أن الانتصارات الرائعة التى أحرزها المماليك تعود إلى إعداد
جيد للجيش وتنظيم دقيق له وللقائمين عليه، ولعل الفضل فى ذلك
يعود إلى «الظاهر بيبرس» الذى أولى الجيش عنايته منذ ولى عرش
«مصر»، فقد قام بنفسه بإعداده وتنظيمه وتسليحه، ليكون سنده
فى الحروب ووقت الشدة، فاستكثر من شراء المماليك وعنى
بتربيتهم تربية دينية وعسكرية، وعين لكل فئة منهم فقيهًا يعلمهم
القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة، حتى إذا وصلوا إلى سن البلوغ
أوكلهم إلى من يدربهم ويمرنهم على الأعمال الحربية، فإذا أتموا
ذلك وأجادوه ألحقوا بجيش السلطان لتبدأ حياتهم الجهادية فى سبيل
الله.
فلما ولى السلطان «قلاوون» مقاليد الأمور فى سنة (٦٧٩هـ)، زادت
عنايته بشئون تدريب الجند المماليك، وأشرف على طعامهم بنفسه
وكان يتذوقه قبل تقديمه إليهم، وكان لا يسمح لهم بمغادرة «قلعة
الجبل» ليلا أو نهارًا، وظلوا على ذلك حتى ولى السلطان «خليل بن
قلاوون» فى سنة (٦٨٩هـ)، فسمح لهم بالخروج نهارًا فقط، ومنعهم
من المبيت خارجها، ثم بنى لهم «الناصر محمد بن قلاوون» - فيما بعد
- «الطباق» بساحة الإيوان بالقلعة وجعلها مقرا لهم.
تكوين الجيش:
كان جيش المماليك يتكون -عادة- من المماليك السلطانية وجنود
الحلقة، وكانت لكل فريق من هاتين الطائفتين مرتبة لا يتجاوزها إلى
غيرها، فالمماليك السلطانية هم مماليك السلطان، وتنفق عليهم
الخاصة السلطانية، لأنهم حرس السلطان الخاص، وكان لهم نظام دقيق
فى التدرج القيادى رتبة بعد رتبة، فمنهم من أطلق عليه أمير خمسة،
وأمير عشرة، وأمير أربعين، وكذلك أمير مائتين، وكانت لكل
صاحب لقب من هذه الألقاب واجبات والتزامات معينة، فأمير خمسة
يكون فى خدمته خمسة مماليك، وأمير عشرة تكون عدته عشرة
مماليك، أما «أمير الأربعين» فكان يطلق عليه «أمير طبلخانة» لحقه