الفصل الثاني
*الإسلام والدول الإسلامية فى غرب إفريقيا:
يقتضى الحديث عن الإسلام والدول الإسلامية التى قامت فى بلدان
غربى إفريقيا، التى كانت تعرف ببلاد «السودان الغربى»؛ أن نبدأ
بإعطاء نبذة عاجلة عن انتشاره أولا بين بربر الصحراء الكبرى،
الذين كانوا يعرفون باسم «الطوارق» أو «الملثمين» أو
«الصنهاجيين»، فهذه القبائل هى التى قامت بجهد كبير فى نشر
الإسلام فى بلاد «السودان الغربى».
وقد انتشر الإسلام فى البداية فى شمال إفريقيا؛ بحيث لم يأتِ القرن
الثانى الهجرى حتى كانت «بلاد المغرب» قطرًا إسلاميا خالصًا
وكانت الصحراء الكبرى تحد «بلاد المغرب» من ناحية الجنوب،
ويسكنها قبائل «الطوارق» أو «الملثمين»، ويلى هذه الصحراء «بلاد
السودان الغربى»، التى كانت بها دولة وثنية تعرف بدولة «غانة»،
وهى من أقدم الدول التى ظهرت فى هذه البقعة النائية من إفريقيا،
ولكى يصل الإسلام إلى غربى إفريقيا كان لابد أن ينتشر أولا بين
قبائل «الطوارق»، ثم يتسرب من خلالهم إلى دولة «غانة» الوثنية،
وقد بدأت المحاولات الأولى لنشر الإسلام بين ديار «الملثمين» فى
ولاية «عقبة بن نافع الفهرى» الثانية (٦٠ - ٦٣هـ) فى عهد «بنى
أمية»؛ إذ استطاع هذا القائد أن يتدفق بقواته إلى «المغرب
الأقصى»، ثم هبط جنوبًا إلى «إقليم السوس الأدنى»، ثم واصل تقدمه
حتى وصل إلى مدينة «ماسه» بالسوس الأقصى، وأشرف على مدينة
«أغمات»، وتوغّل فى بلاد «الملثمين» (مسوفة ولمتونة وجدالة) حتى
وصل إلى مدينة «تارودنت»، وتذكر بعض الروايات أنه وصل إلى بلاد
«غانة» و «التكرور».
كان «عقبة» أول من دعا «الملثمين» إلى الإسلام كأول عربى مسلم
يرتاد هذه الأقاصى، ولما جاء «موسى بن نصير» فاتح «الأندلس»
أتمَّ ما بدأه «عقبة»، فقد وصل إلى مواطن «الملثمين»، ودعاهم إلى
الإسلام وأنشأ مسجدًا فى مدينة «أغمات» التى غدت من أهم مراكز
الإسلام وثقافته فى «المغرب الأقصى».