الفصل العشرون
*طابع الإسلام والثقافة الإسلامية فى شرق إفريقيا
بعد الحديث عن السلطنات الإسلامية وحركات الجهاد فى بلاد الحبشة
والصومال وعلى طول الساحل الشرقى الجنوبى حتى نهر
«زمبيزى» فى «موزمبيق» نلقى نظرة على طابع الإسلام فى تلك
الجهات وعن مدى انفعال تلك الشعوب بالإسلام، ومدى انتشار
الثقافة الإسلامية فى هذه المناطق.
تميزت الإمارات الإسلامية فى هذه المنطقة بطابع أثر فى كيانها
السياسى وفى موقفها ضد الأحباش والبرتغاليين وفى عطائها
الحضارى والثقافى. هذا الطابع تمثل فى أن هذه السلطنات والممالك
لم يكن بينها أى نوع من أنواع الوحدة السياسية، وكان من أثر ذلك
خضوع معظم هذه الإمارات للأحباش فى النهاية رغم حركات الجهاد
التى استمرت نحو أربعة قرون من الزمان.
وترجع هذه الفرقة السياسية إلى أن هذه السلطنات تكونت من بطون
عربية مختلفة فضلا عن اختلاف المذاهب الدينية فيما بينها.
فكانت هذه المدن والسلطنات تستقل كل واحدة منها عن الأخرى
بنشاطها التجارى، وكانت العداوات لاتفتأ تشتعل فيما بينها، مثل
النزاع بين «مالندة» و «ممبسة» والذى استمر حتى قدوم البرتغاليين
الذين استغلوه فى السيطرة على هذه المنطقة، وقد بلغت البغضاء
بين هذه المراكز الإسلامية حدا جعل بعضها يتعاون مع البرتغاليين
نكاية فى الآخرين.
إذن كان طابع هذه الإمارات اقتصاديا صرفًا، فتنوعت مشروعاتها
الاقتصادية، واشتغلت بالزراعة فى المناطق الخصبة، وجلبت
مزروعات جديدة لم تألفها البلاد من قبل مثل البرتقال والذرة والفلفل
والأرز والقرنفل. وكان لها أيضًا نشاط صناعى، فقد عرفت
«مقديشيو» بصناعة المنسوجات الرفيعة التى كانت تصدر إلى العالم
الإسلامى كما عرفت «سوفالة» باستخراج الذهب إلى جانب التجارة
فى العاج وجوز الهند والرقيق. وقد أدى ذلك إلى ثراء هذه المدن
والسلطنات ثراءً كبيرًا ظهر فى وصف الرحالة العرب وغيرهم لها.