الفصل الخامس
*السلطان عبد الحميد الثانى وانهيار الدولة
(١٨٤٣ - ١٩١٨م)
وُلد «عبد الحميد الثانى» (١٣ من شعبان عام ١٢٥٨هـ= ٢١ من سبتمبر
عام ١٨٤٢م)، وهو ابن السلطان «عبد المجيد محمود الثانى» صاحب
فرمان التنظيمات الذى ينظم الدولة العثمانية على الطراز الأوربى
وتولى العرش خلفًا لأخيه «مراد» فى (١٠ من شعبان عام ١٢٩٣هـ= ٣١
من أغسطس عام ١٨٧٦م)، وماتت أمه وهو فى الحادية عشرة من
عمره، فربته زوجة أبيه وعاملته معاملة الأم شفقة ورحمة وعناية.
درس «عبد الحميد» العلوم الأساسية فى عهده وبجانبها تعلَّم اللغة
العربية وأجادها، والفارسية وأجادها، وكان ينظم الشعر، وكان
شخصية قوية منذ صغره، كان متدينًا وسط جو أوربى يعيشه أمراء
القصر السلطانى، وحريصًا على أداء الصلاة فى أوقاتها، عفيفًا، لا
يشرب الخمر، ويمنع تدخل نساء القصر فى السياسة أو شئون الدولة
منعًا باتا، وتروى ابنته الأميرة «عائشة»:
فى اليوم التالى لتنصيب والدى السلطان عبد الحميد سلطانًا على
الدولة العثمانية قابل زوجة والده التى أحبها حبا ملأ عليه فؤاده،
وقبّل يدها، وقال لها:
بحنانك لم أشعر بفقد أمى، وأنت فى نظرى أمى لا تفترقين عنها،
ولقد جعلتك السلطانة الوالدة (وهو لقب خاص بأم السلطان) .. لكنى
أرجوكِ بإصرار ألا تتدخلى بأى شكل من الأشكال فى أى عمل من
أعمال الدولة.
وانصاعت هى لهذا الأمر تمامًا».
بدأ «عبد الحميد» حكمه الفردى بافتتاح مجلس «المبعوثان»، لكنه
سرعان ما عطله إلى أجل غير مسمى، وكان هذا التعطيل فى (١٠
من صفر عام ١٢٩٥هـ= ١٣ من فبراير عام ١٨٧٨م)، واستمر الحكم
الفردى لعبد الحميد مدة ثلاثين عامًا ونصف عام تقريبًا يعنى حتى
(١٧ من جمادى الآخرة عام ١٣٢٦هـ= ١٣ من يوليو عام ١٩٠٨م) عندما
ثار عليه الجيش، فاضطر إلى إعلان الحكم النيابى، وافتتح البرلمان
للمرة الثانية.
لكنه كان رحيمًا بالمعارضين له، يستميلهم بقدر إمكانه، وإذا نفى