[*أحمد بن طولون]
وُلد «أحمد بن طولون» سنة (٢٢٠هـ = ٨٣٥م)، وعُنى أبوه
بتربيته عناية كبيرة، فعلَّمه الفنون العسكرية، وعلوم اللغة
والدين، وتردد على العلماء، وأخذ من معارفهم، وروى عنهم
الأحاديث، فأصبح موضع ثقة الخلفاء العباسيين لشجاعته
وعلمه، وعمل تحت رعايتهم فى خلافة «المتوكل» (٢٤٢
-٢٤٧هـ)، و «المستعين» (٢٤٨ - ٢٥٢هـ)، و «المعتز» (٢٥٢ -
٢٥٥هـ)، و «المعتمد» (٢٥٦ - ٢٧٩هـ). فلما مات «طولون» سنة
(٢٤٠هـ) عهد «المتوكل» إلى «أحمد بن طولون» بما كان يتولاه
أبوه من الأعمال، فأظهر كفاءة عالية، وهمة نادرة، كما احتل
مكانة بارزة فى قلوب رجال البلاط العباسى حين حاولت جماعة
من اللصوص الاستيلاء على قافلة كانت متجهة من «طرسوس»
إلى «سامراء» تحت قيادته، فتصدى لهم «ابن طولون»، وأظهر
كفاءة عسكرية فريدة، وتمكن من القضاء على هؤلاء اللصوص،
ونجا بقافلته، وعندما علم الخليفة بذلك ازداد إعجابًا به وتقديرًا
له. كان من عادة الخلفاء أن يعينوا ولاة للأقاليم الخاضعة
لسلطانهم، وكان هؤلاء الولاة يعينون من ينوب عنهم فى حكم
هذه الولايات؛ رغبة منهم فى البقاء بالعاصمة؛ أملا فى الحصول
على منصب أعلى وخوفًا من المؤامرات. وكانت «مصر» - آنذاك -
تحت ولاية القائد التركى «باكباك» الذى أناب «أحمد بن
طولون» عنه فى حكم «مصر»، لما رآه من شجاعته وإقدامه،
وأمده بجيش كبير دخل به «أحمد بن طولون» «مصر» فى (٢٣
من رمضان سنة ٢٥٤هـ). فلما تُوفى «باكباك» تولى مكانه
القائد التركى «بارجوخ»، فعهد إلى «أحمد بن طولون» بولاية
«مصر» كلها، فلما آل الأمر إلى «ابن طولون» فى حكم «مصر»
واجهته المصاعب والعقبات، وأشعل أصحاب المصالح فى
«مصر» الثورات حتى لا يتمكن «ابن طولون» من تنفيذ إصلاحاته
التى عزم عليها، ولكن «ابن طولون» تمكن من القضاء على كل
العقبات والصعوبات واحدة تلو الأخرى بكياسة وحزم، كما أخمد