[*هشام بن عبد الرحمن الداخل]
خلف «هشام» أباه «عبدالرحمن الداخل» سنة ١٧٢هـ = ٧٨٨م
على حكم الأندلس، وكان أبوه قد اختاره لا لأنه أكبر أبنائه، بل
لما توسَّمه فيه من المزايا الخاصة، وقد أبدى «هشام» لينًا
وورعًا، وحسن سياسة، وبصرًا بالأمور، فجذب الناس إليه
بإقامته للحق وتحريه للعدل، ومعاقبته للولاة المقصرين. ولم
يعكر صفو أيام «هشام» إلا اشتعال بعض الثورات، منها: الثورة
التى قام بها أخواه «سليمان» و «عبدالملك»، وانتهت بالصلح
سنة (١٧٤هـ = ٧٩٠م) على أن يقيما بعدوة المغرب، كما قاد
حملة على نصارى الشمال الذين أغاروا على البلاد، فنجح فى
القضاء عليهم سنة (١٧٥هـ = ٧٩١م) ثم تكررت حملاته عليهم،
حتى قضى على محاولاتهم التى استهدفت التوسع جنوبًا. وأهم
ما يتميز به عهد «هشام» ذيوع مذهب الإمام «مالك بن أنس»،
وحلوله محل مذهب الأوزاعى إمام أهل الشام الذى اتبعه
الأندلسيون، وكان الإمام مالك معاصرًا لهشام بن عبدالرحمن،
كثير الثناء عليه، وقد وفد بعض الأندلسيين إلى المشرق
وتتلمذوا على الإمام مالك، أمثال: الغازى بن قيس، وزياد بن
عبدالرحمن المعروف بشيطون، وغيرهما، فلما عادوا إلى الأندلس
رحَّب بهم هشام، وسمح لهم بتدريس مذهب «مالك»، وأخذ
القضاة يصدرون أحكامهم بناءً عليه، واتخذ منهم هشام كبار
قضاته ومستشاريه، وشيئًا فشيئًا أصبح المذهب المالكى هو
المذهب الرسمى للدولة. ويكاد يجمع المؤرخون على أن
«هشاماً» كان رقيقًا تقيا، صارمًا فى الحق، محبا للجهاد، أنفق
كثيرًا من الأموال فى فداء الأسرى، كما كان شغوفًا بالإصلاح
والتعمير، فأتم بناء مسجد قرطبة الجامع، وأنشأ مساجد
أخرى، وزين «قرطبة» بكثير من الحدائق والمبانى، وجدَّد
قنطرة قرطبة التى بناها «السمح بن مالك»، ونظَّم وسائل الرى،
وجلب إلى الأندلس الأشجار والبذور. وكان هشام يحب مجالس
العلم والأدب، وبخاصة مجالس الفقه والحديث، فقرَّب إليه الفقهاء