الفصل الخامس
*ما بعد فتح مكة
١ - غزوة حنين والطائف:
بعد فتح «مكة» بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرتب أمورها،
فعين لها واليًا من قبله، هو «عتاب بن أسيد»، ومعلمًا يعلم أهلها
شرائع الإسلام هو «معاذ بن جبل»، ولكن بعد أقل من أسبوعين من
ذلك الفتح العظيم وصلت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبار بأن
قبائل «هوازن» و «ثقيف» قد جمعت جموعها فى وادى «حنين» بين
«مكة» و «الطائف» لمحاربته؛ لظنهم أن ذلك الفتح وعلو شأن الرسول
- صلى الله عليه وسلم - خطر عليهم، ولا شك أنهم كانوا فى ذلك
مخطئين، فالإسلام ليس خطرًا عليهم ولا على غيرهم، بل هو رحمة
وعدل وعزة وكرامة لهم وللعرب وللعالم أجمع.
أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - الجيش بالتأهب لمواجهتهم فى
أوائل شهر شوال سنة ٨هـ، وكان يضم اثنى عشر ألفًا بعد أن انضم
إلى جيش الفتح ألفان من أهل «مكة»، واتجه به إلى وادى «حنين»،
ففاجأتهم جموع «هوازن» و «ثقيف» من مكامنها فى الأودية
والجبال، وكادت تهزمهم، وفر معظم المسلمين من هول المفاجأة،
ولم يثبت مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة قليلة من أهله
وأصحابه، تقدر بنحو عشرة رجال، وصاح النبى - صلى الله عليه
وسلم - بالمسلمين «إلى أين أيها الناس؟ إلىَّ أيها الناس، أنا النبى لا
كذب أنا ابن عبد المطلب»، وأمام ثبات النبى - صلى الله عليه وسلم -
وشجاعته عاد المسلمون وراءه، وتماسكوا من جديد، وحملوا على
عدوهم حملة صادقة، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتلوا منهم عددًا
كبيرًا، وأسروا كذلك نحوًا من ستة آلاف، وغنموا غنائم كثيرة.
وينبغى أن نشير إلى أن سبب الهزيمة التى كادت تحيق بالمسلمين
فى أول المعركة هو الاغترار بالكثرة، وكانوا اثنى عشر ألفًا،
وقالوا: لن نهزم اليوم من قلة، فأراد الله أن يعلمهم أن الكثرة لا
تكفى وحدها فى حسم المعارك؛ إذ لابد من عون الله تعالى، وقد
أشار القرآن الكريم إلى سبب ما حدث لهم فى أول المعركة، فقال