أمره أن يبلغه لأهل «مكة»: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن
أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن».
حرص النبى - صلى الله عليه وسلم - على دخول «مكة» بدون قتال،
فهى بلد الله الحرام، وأحبُّ بلاد الله إليه، وفيها أهله وذووه، فكانت
أوامره صريحة لجيشه، ألا يقاتلوا إلا إذا قوتلوا، وبالفعل دخل الجيش
«مكة» فى العشرين من شهر رمضان دون قتال، إلا مناوشات بسيطة
حدثت فى الجهة التى دخلت منها الفرقة التى كان يقودها «خالد بن
الوليد» عند جبل «خندمة» فقضى عليها «خالد»، وكان قد أسلم هو
و «عمرو بن العاص» بعد عمرة القضاء سنة (٧هـ).
دخل النبى - صلى الله عليه وسلم - «مكة» فاتحًا منتصرًا، وهى التى
طردته قبل ثمانى سنوات وتآمرت على حياته، فماذا هو فاعل
بهؤلاء الذين عادوه وآذوه أذى شديدًا هو وأصحابه؟ وهل فكر فى
الانتقام منهم؟ لم يحدث ذلك منه، بل جمعهم بعد أن دخل «الكعبة»
وطاف بها، وكسر أصنامها بيده وهو يتلو: {وقل جاء الحق وزهق
الباطل إن الباطل كان زهوقًا}.
وقال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن
أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وبهذا ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة فى العفو
والتسامح عندالمقدرة، فلم تحمله نشوة النصر وزهو القدرة على
الانتقام ممن أساء إليه، بل نسى كل ما فعلوه معه ومع أصحابه من
ألوان العذاب.