[*الشرطة]
يُعدُّ جهاز «الشرطة» من أقدم الأجهزة فى الدولة الإسلامية، فقد
عُرف منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان له «صاحب
شرطة» - أى رئيس لها - فعن «أنس بن مالك» أنه قال: «كان
قيس بن سعد بن عبادة من النبى - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة
صاحب الشرطة من الأمير». [صحيح البخارى]. ومن الذين عُرفوا
بالقيام بوظيفة الشرطى فى «المدينة» فى عهد الرسول - صلى
الله عليه وسلم -: «سعد بن أبى وقاص» و «بديل بن ورقاء»،
و «أوس بن ثابت بن عرابة»، و «رافع بن خديج». واستمر الخلفاء
الراشدون فى الاستعانة ببعض الصحابة للقيام بعمل الشرطى؛
استتبابًا للأمن، وحفظًا للنظام، وتعقبًا للجناة والمفسدين فى
الأرض، وتنفيذًا للأحكام والحدود التى يحكم بها القضاة. وقد
ازدادت أهمية جهاز «الشرطة» فى الدولة الأموية، نظرًا إلى
الظروف التى كانت تحيط بها، وكثرة الخارجين عليها والثائرين
ضدها، فتوسعت فى استخدام «الشرطة»، حتى أصبح جهازًا من
أكبر أجهزة الدولة، قادرًا على حفظ الأمن وتطهير البلاد من
عناصر الفساد والعبث بالنظام العام للمجتمع. وحرص الأمويون
على اختيار رجال شرطتهم من أهل الشرف والبأس الشديد،
والعفة والمروءة والحزم، وأعطوا «صاحب الشرطة» الحرية
التامة فى اختيار معاونيه، ليؤدوا مهمتهم على الوجه الأكمل،
فيروى عن «الحجَّاج بن يوسف الثقفى» والى «العراق»
والمشرق الإسلامى أنه قال: «دلونى على رجل للشرطة»، فقيل
له: «أى الرجال تريد؟» قال: «أريده دائم العبوس - أى جاداً فى
ملامحه- طويل الجلوس، سميق الأمانة، أعجف الخيانة -أى لا
يخون-» فقيل له: «عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمى»، فأرسل
إليه يستعمله على «الشرطة»، فقال: «لست أقبلها إلا أن
تكفينى عيالك وولدك وحاشيتك»، فقال «الحجاج»: «يا غلام
نادِ فى الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة».
ويعلّق «الشعبى» راوى هذا الخبر بقوله: «فو الله ما رأيت