للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*الترجمة]

كلمة عربية، تطلق على نقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهى من

ضرورات العمران البشرى. وتتم الترجمة نتيجة الشعور بالحاجة

إلى التعايش أو التفاهم أو الاستفادة من علوم الآخرين

ومعارفهم، والاطلاع على حضارات الشعوب الأخرى وثقافاتهم؛

لذا فهى ترتبط بمدى ازدهار المجتمعات التى تتم فيها. وقد

قامت ثلاث حركات للترجمة فى تاريخ الحضارة

الإسلامية؛ (الأولى)، وهى الكبرى: بدأت فى أوج مجد الدولة

الأموية. وأهم ما تمت ترجمته فى تلك الفترة هو ترجمة لغة

الإدارة إلى اللغة العربية، وهو ما عرف باسم تعريب الدواوين،

وبها أحكَم المسلمون إدارة البلاد المفتوحة دون وساطة. وبلغت

هذه الحركة ذروتها فى عصر الخليفة العباسى المأمون؛ حيث

جعلت الدولة الترجمة نظامًا رسميًّا، وضعت له الخطط والكفاءات؛

فتقاطر عليها المترجمون من الداخل والخارج؛ فنقلوا كل ما له

قيمة فى اللغات السريانية واليونانية والفارسية والسِّنسكريتية

والنبطية؛ وذلك انطلاقًا من إيمان المسلمين وحكامهم بأن العلم

من أسس الفضائل، وأنه توأم الحكم الصالح. وبهذه الحركة تمَّ

انتقال القوامة على العلوم والمعارف إلى الدولة الإسلامية

بمؤسساتها وأفرادها، وعن طريقها أيضًا حافظ المسلمون على

تراث الحضارات التى سبقتهم، وطوروا وسائله فى الاستدلال

والبرهان، فى علوم الرياضيات والصيدلة والطبيعة والكيمياء

والجغرافيا وعلوم اللغة وغيرها من العلوم التى شكلت المعارف

والثقافات الإسلامية، التى نقلتها أوربا فى حركة ترجمة

مشابهة، وبنت بها حضارتها التى كانت بدايتها عصر النهضة،

والتى مثلت أساس حضارة أوربا الحديثة القوى. والحركة الثانية

للترجمة فى مصر والشام خلال القرن التاسع عشر الميلادى،

التى كان محمد على رائدها فى مصر، ونفذت الدولة خلالها خطة

للترجمة عينت فيها العلوم والمعارف الضرورية لإنشاء مؤسساتها

الحديثة وتطويرها، واختارت لها أصلح المترجمين. ثم جاءت

<<  <  ج: ص:  >  >>