الفصل السادس
*خلافة أبى بكر الصديق
قيام الخلافة:
أدرك الصحابة - رضوان الله عليهم - أهمية اختيار خليفة لرسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وضرورة أن يختاروا لدولتهم رئيسًا
يخلف النبى فى إدارة أمورهم، فاجتمع الأنصار فى «سقيفة بنى
ساعدة»، التى كانت لهم مثل دار الندوة لقريش فى «مكة»؛ لاختيار
خليفة منهم، ظانين أنهم أحق الناس بذلك الأمر من غيرهم، فالمدينة
بلدهم، والدولة قامت على أرضهم، فرشحوا «سعد بن عبادة
الخزرجى» لهذا المنصب الجليل، وفى أثناء ذلك جاء «عويم بن
ساعدة»، و «معن بن عدى»، وهما من الأنصار إلى «أبى بكر
الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وأخبراهما بما يجرى فى السقيفة،
فاتجها معهما على الفور إليها، وفى الطريق لقيا «أبا عبيدة بن
الجراح» فذهب معهم، ولما وصلوا إلى السقيفة حيث الأنصار
مجتمعون، و «سعد بن عبادة» يتكلم على الرغم من مرضه، مبينًا
أحقية الأنصار بالخلافة؛ أراد «عمر بن الخطاب» أن يتكلم، لكن «أبا
بكر» طلب منه أن ينتظر، فامتثل لأمر «أبى بكر» الذى تكلم، فقال
بعد أن حمد الله وأثنى عليه وعلى نبيه: «إن الله بعث محمدًا رسولا
إلى خلقه؛ ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ...
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين
من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له .. فهم أول من عبدالله فى
الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس
بهذا الأمر من بعده، لا ينازعهم إلا ظالم. وأنتم يا معشر الأنصار من لا
يُنكر فضلهم فى الدين ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام، رضيكم الله
أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه
وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم، فنحن
الأمراء وأنتم الوزراء، لاتفتاتون فى مشورة، ولا تنقضى دونكم
الأمور»، ثم قال: «ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحى من قريش،