الفصل الثامن
*دولة المماليك البرجية
[٧٨٤ - ٩٢٣ هـ = ١٣٤١ - ١٥١٧ م]
كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر، وآخر
سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان «حاجى»
صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه عشر سنوات،
فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه وضعفه، واستدعى
الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم «القاضى بدر الدين بن
فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين، وياسادتى القضاة: إن أحوال
المملكة قد فسدت، والوقت قد ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة
سلطان كبير تجتمع فيه الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى
على خلع الملك الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية
البلاد، فاعتلى عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك
البحرية بعد أن حكمت مائة وستا وثلاثين سنة.
عُرفت الدولة الجديدة باسم: «دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها
كانوا ينتمون إلى لواء من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق
على جنوده اسم «المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية»
الذين كانت إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك
باسم: «المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم
الأصلى الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)،
وفيما يلى سوف نعرض لأهم الملامح الشخصية لسلاطين هذه الدولة،
وظروف عصرهم.
السلطان برقوق [٧٨٤ - ٨٠١هـ = ١٣٨٢ - ١٣٩٩م]:
يُعدُّ «برقوق» المؤسس الأول لدولة «المماليك البرجية»، فعلى يديه تم
عزل آخر سلاطين دولة المماليك البحرية السلطان «الصالح حاجى»،
فسقطت دولة البحرية، وقامت دولة البرجية، فكثرت الصراعات
الداخلية طمعًا فى السلطنة، وسادت الفوضى، وعَمَّت الفتن، وتميز
عهد «برقوق» بالمعارضة الشديدة له، فاهتم بالقضاء على هذه
الفتن، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى أرجاء ملكه، ثم عمل على
إصلاح أحوال البلاد الداخلية، وظل على ذلك حتى استقرت له الأمور