الفصل الخامس
*عصر نفوذ البويهيين
[٣٣٤ - ٤٤٧ هـ = ٩٤٥ - ١٠٥٥م]
عندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى الأولى سنة (٣٣٤هـ =
ديسمبر سنة ٩٤٥م) كان «المستكفى بالله» هو الخليفة العباسى، ولم
يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل إنه زاد على ذلك فخلع عليه
الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب أخاه «عليا» «عماد الدولة»،
وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»، وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم
على الدنانير والدراهم، وكان «على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»،
و «الحسن ابن بويه» حاكمًا لعدة أقاليم أهمها
«الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى حين دخل أخوهم الأصغر
«أحمد» «بغداد».
وقد تدهورت أحوال «الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من
الناحية الواقعية حينما سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا
الخليفة من كل سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة
الشرعية على سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه،
وسلبوه حقه فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا
(سكرتيرًا) فقط يشرف على أمواله.
ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم يسقطوا الخلافة العباسية
السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها خلافة علوية شيعية تتفق مع
مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم
وسلطانهم، وليس الأمر كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم
أن يفعلوا به ما يشاءون.
وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى» على صدق ذلك،
فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل «معز الدولة أحمد بن
بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف الناس حسب مراتبهم، فتقدم
اثنان من الديلم - وهم قوم «معز الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا
منه أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم
هجم «الديلم» على دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى
منزله، وساقوا الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه
المأساة بخلع «المستكفى» وسمل عينيه.