الفصل الثامن
*الأوضاع الحضارية فى العصر العباسى الثانى:
رغم المشاكل السياسية العديدة التى شهدتها دولة الخلافة العباسية
فى عصرها الثانى فإن اللافت للنظر أن هذه الحقبة تُعدّ أخصب
عصور التاريخ الإسلامى فى عطائها الحضارى المتعدد الجوانب.
وسنكتفى هنا بتقديم نبذة مختصرة عن أهم هذه الجوانب:
١ - الجانب الثقافى:
نشطت حركة التأليف فى فروع العلم المختلفة نشاطًا ملحوظًا طوال
هذه الفترة وقدمت دولة الخلافة المترامية الأطراف علماء أفذاذًا
يعترف لهم العالم كله - حتى يومنا هذا - بالفضل والمكانة.
ففى مجال علوم الحديث: يتألق اسم عمدة المحدِّثين الإمام البخارى
المتوفى سنة (٢٥٦هـ = ٨٧٠م) هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من
أعلام المحدثين لعل أبرزهم الإمام مسلم المتوفى سنة (٢٦١هـ =
٨٧٥م)، وأبو داود المتوفى سنة (٢٧٥هـ= ٨٨٨م)، وابن ماجة المتوفى
سنة (٢٧٣هـ = ٨٨٦م)، والترمذى المتوفى سنة (٢٧٩ هـ = ٨٩٢م)،
والنَّسائى المتوفى سنة (٣٠٣هـ = ٩١٥م)، وهؤلاء هم أصحاب
الصحاح المعروفون.
وقد برز من غير أصحاب الصحاح أيضًا عدد من أئمة المحدثين، من
أمثال داود الظاهرى المتوفى سنة (٢٧٠هـ = ٨٨٣م) وأبى الحسن
الدَّارَقُطْنى المتوفى سنة (٣٨٥هـ = ٩٩٥م)، الذى يصفه ابن كثير بأنه
كان «فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره فى أسماء الرجال
وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحسن التصنيف والتأليف واتساع
الرواية والاطلاع التام فى الدراية». ومن هؤلاء أيضًا الحاكم
النيسابورى المتوفى سنة (٤٠٥هـ = ١٠١٤م)، وقد عرف عنه أنه كان
من أهل الدين والأمانة والصيانة والضبط والتجرد والورع، سمع الكثير
وطاف الآفاق وصنف الكتب الكبار والصغار.
وفى مجال العلوم اللغوية وجدنا أعلامًا نابهين يضيق عنهم الحصر،
ومن هؤلاء محمد بن يزيد المبرِّد صاحب الكامل المتوفى سنة (٢٨٥هـ
= ٨٩٨م)، وقد كان إمام النحاة فى عصره، ومن النحاة المشهورين