للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل التاسع

*الإسلام والعروبة فى سودان وادى النيل

لم تكن بلاد «السودان الشرقى» (النيلى) أو «سودان وادى النيل»

مجهولة للعرب قبل الإسلام، فقد مخرت سفنهم عباب البحر الأحمر

حتى وصلوا إلى الشاطئ الإفريقى ومنه إلى «السودان»

و «الحبشة»، فضلا عن الطريق البرى عبر «سيناء» إلى «مصر»،

ومنها جنوبًا إلى «السودان»، والطريق البحرى عبر «باب المندب»

إلى «الحبشة» ومنها إلى «السودان»؛ كل ذلك بهدف التجارة بين

هذه البلدان وبين عرب «اليمن» و «الحجاز»، وبظهور الإسلام

وانتشاره فى «مصر» أصبح وادى النيل معبرًا جديدًا للعرب والإسلام

إلى بلاد «السودان النيلى» سلكته الجيوش والقبائل العربية، إما

بقصد الغزو والفتح وإما بقصد التسرب السلمى بغرض الإقامة ونشر

الإسلام بين أهالى هذه البلاد.

وكانت هناك مملكتان مسيحيتان فى «السودان النيلى»، هما مملكة

«مقرة» أو «دنقلة» أو «النوبة» فى شمالى هذا السودان، ومملكة

«علوة» فى وسطه، وكانت هذه الممالك تقف فى وجه انتشار

الإسلام، وأمام جهود المسلمين للدخول إلى «السودان النيلى» من

ناحية «مصر، ولهذا كان انتشار الإسلام يتوقف على إضعاف هذه

الدول أو القضاء عليها.

وبدأ اللقاء الأول بين هذه الدول المسيحية وبين المسلمين منذ وقت

مبكر، فقد أرسل «عمرو بن العاص» - رضى الله عنه - والى «مصر»

بعض جنده إلى «بلاد النوبة» عام (٢١هـ = ٦٤٢م)، لكنه لم يتمكَّن من

فتحها، ثم غزاهم «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» والى مصر عام

(٣١هـ = ٦٥١م)، ووصل فى زحفه حتى «دنقلة» عاصمة مملكة

«مقرة» المسيحية، وعقد معهم صلحًا عُرِفَ باسم «البقط»، وتدل

نصوص هذا الصلح على أنه يهدف إلى التسامح الدينى وحسن

الجوار، ولايعكس تبعية «دنقلة» لمصر الإسلامية، أى لم يكن فى

حقيقته إلا تأمينًا للنواحى الاقتصادية والتجارية والدينية، وتشجيعًا

للتبادل التجارى، وإقرارًا للسلام على الحدود المشتركة؛ ولذلك ظلت

<<  <  ج: ص:  >  >>