[*الموحدون (دولة)]
لم تنعم «دولة المرابطين» بالهدوء والاستقرار منذ ظهور الداعية
«محمد ابن تومرت» على مسرح الأحداث، وقد نشأ «ابن تومرت»
نشأة دينية بقبيلة «هرنمة» إحدى قبائل المصامدة، ولكن ما
تلقاه من علوم فى وطنه لم يَرْوِ ظمأه، فسافر إلى المراكز
الثقافية المشهورة بالعالم الإسلامى، وبدأ رحلاته إلى «الأندلس»
فى مطلع القرن السادس الهجرى، ثم إلى المشرق مارَّا
بالإسكندرية، ومنها إلى «مكة» ثم إلى «بغداد» حيث التقى
هناك بأكابر العلماء أمثال «أبى بكر الطرطوشى»، واستغرقت
رحلته فى طلب العلم نحو خمسة عشر عامًا مكنته من التزود بقدر
كبير من الثقافة والمعرفة، وتعرُّف أحوال العالم الإسلامى،
ومدى انقسام المسلمين وفرقتهم بالمشرق. وبعد أن عاد إلى
«المغرب» بدأ دعوته بمدن المغرب محاولاً إصلاح الأوضاع
الفاسدة وتغييرها. فوجدت دعوته قبولاً وترحيبًا من الجماهير،
ورفضًا شديدًا من الحكام؛ إذ رأوها خطرًا يهدد مصالحهم
ومراكزهم. والتقى «ابن تومرت» خلال هذه الرحلة بعبد المؤمن
بن على الذى أصبح من أخلص تلاميذه، وصاحبه فى كل مكان
يذهب إليه، ثم دخل «ابن تومرت» العاصمة «مراكش» فى منتصف
ربيع الأول سنة (٥١٥هـ= ١١٢١م)، وقام بدوره فى الوعظ
والإرشاد، واعترض على سياسة الدولة فى بعض الأمور، فوصل
خبره إلى الأمير «على بن يوسف» الذى استدعاه، وجمع كبار
العلماء والفقهاء لمناظرته. وانتهى الأمر بطرده من العاصمة
خشية التأثير على العامة وإضعاف مراكز الفقهاء. وكانت
الحصافة السياسية تقتضى سجن هذا الداعية أو التحفظ عليه
لخطورته على الدولة، وهو ما تحقق عقب مغادرة «ابن تومرت»
«مراكش»، إذ أعلن عن نياته فى مواجهة السلطة الحاكمة،
وخلعه الأمير «على بن يوسف»، وبايعه مَن حوله إمامًا للدعوة
الجديدة فى سنة (٥١٥هـ= ١١٢١م)، واتخذ من مدينة «تينملل»
مقرا له، ومركزًا لدعوته، وشرع فى تحقيق أهدافه السياسية