والتشرذم، كما وحد بينهم لغويا؛ إذ انتشرت اللغة العربية بين كثير
من شعوب القارة، وصارت هى أداة الفكر والعلم والمخاطبة، أما
الشعوب التى احتفظت بلغاتها، فقد كانت العربية هى وسيلة العلم
والتعامل كما كانت اللغة الرسمية، لأن اللغات الإفريقية لم تكن لغات
مكتوبة.
وكما وحَّد الإسلام بينهم دينيا وحد بينهم سياسيا وقضى على
التشرذم القبلى والنزاعات القبلية، وأنشأ دولا كبرى، بل
إمبراطوريات عظمى مثل «إمبراطورية مالى»، التى ضمت معظم
منطقة غرب إفريقيا بالكامل، وكانت مساحتها تفوق مساحة دول
غرب أوربا مجتمعة، ليس هذا فحسب بل إن الإسلام جعل الإفريقى
يشعر بانتمائه ليس إلى بلاده فقط بل إلى عالم إسلامى واسع،
يستطيع أن ينتقل بين أرجائه سواء كان تاجرًا أو حاجا أو طالب
علم، وفى كل مكان يجد هذا الإفريقى القوت والمأوى والمساعدة
والاستقبال الودود، على أساس من أخوة الإسلام التى جمعت بين
أفراد هذا العالم الإسلامى الواسع، الذى يمتد من الصين شرقًا حتى
المحيط الأطلسى غربًا، ومن هنا اعتبر الأفارقة الإسلام دينًا إفريقيا
قام بنشره بينهم قوم منهم، اتخذوا الدعوة أو التجارة أو التصوف
وسيلة إلى ذلك، وطبقوا مبادئ الإسلام السمحة وأخلاقه الحميدة
وقيمه السامية من إخاء ومساواة وتكافل وتعاون، ومن ثم انتشر
الإسلام فى هذه البقاع الواسعة فى القارة، حتى إنه يمكن القول
بأن قارة إفريقيا هى القارة المسلمة الوحيدة فى عالم اليوم، على
اعتبار أن غالبية سكانها يعتنقون الإسلام. ويتبين ذلك بوضوح من
خلال حديثنا عن السلطنات والممالك الإسلامية التى قامت بالقارة
(جنوب الصحراء) فى العصور الوسطى.