القوم فى «الحبشة»، مثل سلطان «جمة» «أبى جفار»، و «الرأس
على» نائب الإمبراطور الحبشى، وعمل هذان الرجلان على نشر
الإسلام بين الوثنيين من الأحباش، ونجحا فى ذلك نجاحًا عظيمًا
فتحول معظم سكان الولايات الوسطى والشمالية فى «الحبشة» إلى
الإسلام.
٦ - طبيعة الإسلام:
ذلك أن الإسلام لم يُفرض كما رأينا على الشعوب الوثنية الإفريقية
فرضًا، إنما حمله قوم من أهل إفريقيا نفسها، اتخذوا صفة التجار أو
المعلمين أو الدعاة أو الصوفية، فليس غريبًا أن يلقى قبولا منهم،
فهو فى نظرهم دين إفريقى غير دخيل، والدعوة إليه تتم بالطرق
السلمية وليس بالغزو المسلح كما فعل الاستعمار الأوربى فى العصر
الحديث.
كما أن الإسلام لم يستعبد هذه الشعوب، إنما أشعرها بالعزة
والكرامة، فخلق منها دولا كبرى وقوى فيها النزعة إلى الحرية
والاستقلال، ولم يقضِ على نظمها المحلية بل تواءم معها وخلق منها
ومن تقاليده تقاليد إسلامية الطابع إفريقية الروح.
ومن ثم تقَبَّله الأفارقة، خاصة أن الإسلام لم يكن دينًا أخرويا فحسب،
وإنما كان دينًا وحضارة تقوم على أساس تعمير الدنيا والفوز
بالآخرة، ومن ثم لزم أن يَنشر الإسلام نور العلم والثقافة بين أتباعه
ومعتنقيه، فارتبط الإسلام بالعلم والتعليم منذ البداية، وكان الإفريقى
لا يكاد يسلم حتى يتعلم القراءة والكتابة ويرتفع قدره اجتماعيا كلما
زادت ثقافته، ولذلك سمعنا عن عدد كبير من العلماء الأفارقة الذين
ظهروا فى مختلف ميادين العلم والثقافة، ولم يكونوا فى ذلك أقل
من إخوانهم علماء المغاربة أو المشارقة، زد على ذلك أن الإسلام لم
يعترف بالتفرقة العنصرية، فهو لايعرف حواجز الطبقات أو العرق أو
اللون، ولا يميز بين إنسان وآخر على أساس اللون أو الثروة، لأن
معيار التفاضل فى الإسلام هو التقوى والعمل الصالح، ولذلك أقبل
الأفارقة على اعتناقه، فوحَّد بينهم وقضى على عناصر الفرقة