الإمارات قنعوا بالخنوع والخضوع للأحباش، بل إنهم كانوا فى أحيان
كثيرة مناوئين لملك الأحباش وغازين له فى عقر داره كما سنرى.
وكان من أسباب ضعف هذه الإمارات أو السلطنات الإسلامية أنها ما
كاد يكتمل نموها وتزداد قوتها حتى واجهت حربًا صليبية ضروسًا
استنزفت مواردها وشغلتها عن التفرغ للدعوة الإسلامية، ولذلك فإن
الإنتاج الثقافى لتلك الإمارات كان محدودًا جدا، إذ إن الصراع مع
الأحباش أخذ كل وقتها ولم يترك لها فرصة للإبداع والابتكار، ولم تنج
سلطنة واحدة من الاشتباك مع هؤلاء الأحباش.
وقد قامت سلطنة «أوفات» حوالى (٦٤٨ - ٨٠٥ هـ = ١٢٥٠ - ١٤٠٢م)
بعبء المقاومة والدفاع ضد هذا الخطر الصليبى الحبشى الذى كان
يهدف إلى القضاء على الإسلام فى منطقة القرن الإفريقى كلها،
ولذلك كان من الواجب أن نخص هذه السلطنة بحديث.
كانت سلطنة «أوفات» أقوى سلطنة إسلامية قامت فى بلاد
«الزيلع»، أسسها قوم من قريش من «بنى عبدالدار» أو من «بنى
هاشم» من ولد «عقيل بن أبى طالب».
ومدينة «أوفات» هى نفسها مدينة «جبرة» أو «جبرت» وكانت من
أكبر مدن بلاد «الزيلع»، وكانت تتحكم فى الطريق التجارى الذى
يربط المناطق الداخلية بميناء «زيلع» على البحر الأحمر. ولم يتضح
تاريخ «أوفات» إلا حوالى منتصف القرن الثالث عشر الميلادى حينما
ظهر أحد أمراء المسلمين وكان يسمى «عمر» ويعرف بلقب
«ولشمع»، وأقام هذه السلطنة التى نمت وازدادت قوتها حتى
استطاع صاحبها «عمر ولشمع» أن ينتهز فرصة ضعف سلطنة «شوا»
المخزومية وأن يهاجمها عام (٦٨٤هـ = ١٢٨٥م) ويقضى عليها
ويستولى على أملاكها كما رأينا عند الحديث عن هذه السلطنة.
وقد أدى هذا إلى اتساع سلطان «بنى ولشمع» السياسى،
واستطاعت «أوفات» فى عهدهم أن تبسط نفوذها على بقية هذه
الإمارات الصغرى التى أشرنا إليها وأن يصل هذا النفوذ حتى ساحل
البحر الأحمر وحتى منطقة «زيلع» وسهل «أوسا».