يوسف» إلى «مكة» استطاع أن يقضى على «عبدالله بن الزبير»
سنة (٧٣هـ)، كما نجح عبدالملك فى القضاء على دولتى
الخوارج، وبذلك تخلَّص من خصومه، وقضى على الانقسامات
التى أضعفت الدولة الإسلامية، وأعاد إليها وحدتها، ولذا عدَّه
المؤرخون المؤسس الثانى للدولة الأموية، وعدُّوا سنة (٧٣هـ) عام
الجماعة الثانى. أظهر «عبدالملك» براعة فائقة فى إدارة الدولة
وتنظيم أجهزتها، مثلما أظهر براعة فى إعادة الوحدة إلى
الدولة الإسلامية، فاعتمد على أكثر الرجال -فى عصره- مهارة
ومقدرة، وأعظمهم كفاءة وخبرة، وسياسة وإدارة، ومن
أبرزهم «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى عهد إليه «عبدالملك»
بإدارة القسم الشرقى للدولة، الذى يتكون من «العراق»، وكل
أقاليم الدولة الفارسية القديمة، وكان «الحجاج» عند حسن الظن
به، فبذل أقصى طاقته فى تثبيت أركان الدولة، والقضاء على
كل مناوئيها، وكذلك إخوة «عبدالملك» الذين كانوا من أبرز
ركائز دولته، ومنهم: «بشر بن مروان»، «ومحمد بن مروان»
و «عبدالعزيز بن مروان» الذى ولى «مصر» نحو عشرين سنة (٦٥
- ٨٥هـ). وتفقد «عبدالملك» أحوال دولته بنفسه وتابع أحوال
عُمَّاله وولاته، وراقب سلوكهم، ولم يسمح لأحد منهم بأن يداهنه
أو ينافقه. وأنجز أعمالا إدارية ضخمة، دفعت بالدولة الإسلامية
أشواطًا على طريق التقدم والحضارة، تمثلت فى تعريب دواوين
الخراج فى الدولة الإسلامية كلها، وتعريب النقود، وتنظيم
ديوان البريد، وجعله جهازًا رقابيا، يراقب العمال والولاة ويرفع
إليه تقارير عن سير العمل فى الولايات. وتُوفِّى «عبدالملك بن
مروان» فى شوال سنة (٨٦هـ) بعد أن كرَّس كل وقته وجهده
لتوطيد أركان الدولة، والسهر على رعاية مصالح المسلمين.