عادتهم القديمة، وكأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامى، ثم عين
«غازان» واليًا من قبله على البلاد التى استولى عليها، وعاد
بعد ذلك إلى «إيران». وفى سنة (٧٠٠هـ) عاود المغول الكرَّة
على بلاد الشام، واستولوا على مناطق جديدة بها، إلا أنهم لم
يتمكنوا من التقدم والاستمرار؛ إذ هطلت عليهم الأمطار بغزارة،
واشتدت البرودة، وكثر الوحل، وهلك كثير منهم، ووجد
«غازان» نفسه مضطرًا إلى العودة إلى «إيران»، ولكنه عاد بعد
ذلك بعامين فى سنة (٧٠٢هـ) بحملته الثالثة على «سوريا»،
وتحرك إلى مدينة «عانة» على شاطئ «الفرات»، وبرفقته
وزيره المؤرخ «رشيد الدين» ثم عاد أدراجه إلى عاصمته
«تبريز» تاركًا جيشه بالشام ليواصل مهمته، ولكن النتيجة جاءت
على غير ما كان يتوقع، إذ هُزم جيشه هزيمة منكرة على يد
السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» فى موقعة «مرج الصفر»
بالقرب من «دمشق» فى (٢ من رمضان عام ٧٠٢هـ)، فاعتلَّت
صحته، وغلبه المرض، وتآمر عليه الأمراء، وكثرت من حوله
الدسائس، ومات فى شوال سنة (٧٠٣هـ)، وهو لايزال فى ريعان
شبابه. قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من
الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى
غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن
مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه
بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون
مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات،
واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية
والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم
العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان
عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر
للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ
واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ
آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،