للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرش البلاد، كانت من أهم فترات تاريخ «مصر» والشام. استمرت

فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة على «مصر» و «الشام» وما

يتبعهما اثنين وثلاثين عامًا متصلة، انفرد فيها بحكم البلاد،

وتمكن من القضاء على الفتن والدسائس، ونعمت البلاد فى عهده

بأطول فترة استقرار شهدتها فى العهد المملوكى، وتعلق

الشعب به وأحبه لما قدمه من أعمال جليلة وعظيمة رفعت من

شأنه. تُعد فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة (٧٠٩ - ٧٤١ هـ) من

أزهى عهود دولة المماليك البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت

دعائم البلاد، واستقرت أساليب الحكم والإدارة فيها، وازدهرت

الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة» حاضرة لإمبراطورية شاسعة

تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية، وكذلك بلاد «اليمن»

التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب وده ملوك

«أوربا» و «آسيا»، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه، وأرسلوا

إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه. لم يقتصر

نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من أنه

نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل

اتجه إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها -

لتدينه الشديد- بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى

شيدها، والتى مازال بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق

على بره وتقواه، وذوقه الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل

أشهرها: «المدرسة الناصرية» التى شيدها بشارع «المعز لدين

الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى بناه بالقلعة سنة (٧١٨هـ)، ثم

هدمه وأعاد بناءه سنة (٧٣٥هـ) لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما

شرع فى سنة (٧٠٣هـ) أثناء سلطنته الثانية فى تجديد

«المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان «قلاوون» سنة

(٦٨٨هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة، وأنشأ

«خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة

القادمين منهم من البلاد الشرقية. وقد أرخ «ابن إياس» لحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>