المعركة، وكانت الغلبة للمسلمين فى البداية، لكنهم تعجلوا
النصر ولم يصبروا، وظنوا أن المعركة انتهت، فالذين فى الميدان
تركوا القتال وبدءوا فى جمع الغنائم، والذين فوق الجبل خالفوا
أوامر النبى - صلى الله عليه وسلم - وأوامر قائدهم «عبدالله بن
جبير»، وتركوا مواقعهم، ليشتركوا فى جمع الغنائم. انتهز
«خالد بن الوليد» هذه الفرصة، وانقض بفرسانه من الخلف،
مستغلا الثغرة التى حدثت بترك الرماة مواقعهم، فحول بحركته
العسكرية سير المعركة من نصر للمسلمين فى أولها إلى هزيمة،
وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، حتى إن بعضهم أخذ يقتل
بعضًا، وزاد ارتباكهم عندما أشاع المشركون أنهم قتلوا الرسول
- صلى الله عليه وسلم - الذى كان قد سقط فى حفرة، وجُرِح
وكُسِرَت رباعيته، وانجلت المعركة عن هزيمة للمسلمين، وسقوط
واحد وسبعين شهيدًا، وكان ذلك درسًا قاسيًا، أنزل الله بشأنه
أكثر من ستين آية فى سورة «آل عمران»، وضح لهم أسباب ما
حدث، وأن الهزيمة إنما كانت لمخالفة أوامر الرسول، والحرص
على جمع الغنائم، قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ
تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من
بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد
الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل
على المؤمنين}. [آل عمران: ١٥٢]. ثم واساهم وعفا عنهم،
وذكرهم بأنهم إن كانوا قد أصابهم قرح وخسروا معركة، فقد
أصاب أعداءهم قرح مثله {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، ثم
طلب من نبيه أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وألا يدع مشورتهم،
حتى لو أدت إلى الهزيمة فى معركة، فخسارة المعركة أسهل
من خسارة مبدأ الشورى الذى يربى الرجال ويدربهم على إبداء
الرأى والمشاركة فى صنع القرار.