بالقرب من «الكوفة»، فوجد جيشًا كبيرًا فى انتظاره بقيادة
«عمر بن سعد بن أبى وقَّاص» يزيد عددُه عمَّا معه من أفراد
بنحو خمسين مرة، وعسكرت القوتان دون تكافؤ بينهما فى
القوة، فعرضَ «الحسين» على «عمر بن سعد» ثلاثة حلول
للخروج من هذا المأزق، إمَّا أن يتركه يعود إلى «مكة»، وإما أن
يتركه يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد فى سبيل الله،
وإما أن يدعه يذهب إلى «دمشق» لمقابلة الخليفة «يزيد بن
معاوية» ويضع يده فى يده. وكانت هذه الخطوة من «الحسين»
- رضى الله عنه - طيبة؛ لأن ذلك معناه أنه أنهى ثورته وجنح
إلى السلام، كما سُرَّ بهذه الخطوة «عمر بن سعد»، لأنه لم يكن
راغبًا فى مواجهة «الحسين»، ولكن عليه أن يستشير «عبيد الله
بن زياد»، فهو الوالى وصاحب القرار، فرحب بالفكرة لأول
وهلة، لأن فيها حقن الدماء، وبخاصة دم «الحسين» حفيد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، غير أن شيطانًا من شياطين الإنس
يُدعى «شمر بن ذى الجوش» أشار على «ابن زياد» ألا يقبل من
«الحسين» إلا أن يسلِّم نفسه باعتباره أسير حرب، وأن يرسله
بهذه الصفة إلى الخليفة «يزيد بن معاوية» فى «دمشق». وكان
من الطبيعى أن يرفض «الحسين بن على» هذا الطلب، فالموت
عنده أهون عليه من هذا كما قال هو نفسه، ولو أن مشركًا أو
ذميا كان فى مكان «الحسين»، وعرض عليهم هذه الحلول
السلمية لكان عليهم قبولها، لكن «ابن زياد» خضع لهذه الفكرة
الشيطانية، ورفض «الحسين» تسليم نفسه أسير حرب، فدارت
معركة غير متكافئة بين الفريقين فى «كربلاء» فى العاشر من
المحرم سنة (٦١هـ)، استُشْهِد فيها «الحسين»، رضى الله عنه،
وقتل من كان معه من أهل بيته، ولم ينجُ من القتل إلا ابنه
«على» الملقب بزين العابدين.