الحوساء» فى مكان قريب من «الكوفة»، ثم ثار عليه «المستورد
بن عُلَّنة الطائى». وكان عجيبًا أن تشب هذه الثورات فى
«الكوفة» أيام واليها «المغيرة بن شعبة» الذى انتهج سياسة
متسامحة مع الناس كلهم، ولم يشأ أن يزيد فى آلام الناس فى
«العراق»، أو ينكأ جروحهم بعد الحروب الكثيرة التى عانوها
فى «الجمل» و «صفين». وكان حريا بالخوارج أن يركنوا إلى
الهدوء ويبتعدوا عن سياسة العنف إزاء سياسة التسامح التى
انتهجها «المغيرة»، لكنهم تمرَّدوا وثاروا، فاضطر «المغيرة»
إلى التصدى لهم والقضاء على ثوراتهم. ثم ازداد ضغط الدولة
عليهم منذ أن ولى «زياد بن أبى سفيان» ولاية «البصرة» سنة
(٤٥هـ) فأخذ يتعقبهم فى «البصرة»، فى الوقت الذى يتعقبهم
فيه «المغيرة بن شعبة» فى «الكوفة»، حتى ضيَّقا عليهم
الخناق، وضربا عليهم بيد من حديد، حتى ضعفت شوكتهم.
وعلى الرغم من ذلك فقد استأنف الخوارج نشاطهم على نحو
أعنف بعد وفاة «معاوية» سنة (٦٠هـ)، فأرسل إليهم «يزيد بن
معاوية» حملة بقيادة «عبيدالله بن زياد»، فتصدى لهم بقوة، ثم
ازدادت ثوراتهم بعد وفاة «يزيد» سنة (٦٤هـ)، مستغلِّين فى ذلك
حالة الفوضى التى سادت «العراق»، ولما استقامت الأمور
للأمويين كلَّف «عبدُالملك بن مروان» «المهلب بن أبى صفرة»،
بمواجهة الخوارج، فاستطاع أن يكسر شوكتهم، ويخمد
أنفاسهم، فاستكانوا فترة طويلة تزيد على العشرين عامًا (٧٨ -
١٠٠هـ)، لم تقم لهم ثورة خلالها، ثم عاودوا نشاطهم فى عهد
«عمر بن عبدالعزيز»، فاستعمل معهم أسلوب الحوار،
فاستجابوا له لمَّا أقنعهم بخطأ أفكارهم المتطرفة، ووعدوه
بالهدوء، لكنهم هبُّوا من جديد بعد وفاته سنة (١٠١هـ)، ولم تهدأ
ثوراتهم التى استمرت حتى آخر أيام الدولة الأموية. وبلغت حركة
الخوارج أقصى درجات العنف فى عهد «مروان بن محمد» آخر
خليفة أموى (١٢٧ - ١٣٢هـ)، وقد شهد آخر ثورات الخوارج
وأشدها خطرًا، بقيادة «الضحاك بن قيس الشيبانى» فى