ولما علم بذلك الخليفة أدرك أن «المثنى» لم يأت إلا لضرورة،
فكان أخر كلامه لعمر بن الخطاب أن أوصاه بتجهيز جيش،
يرسله مع «المثنى» إلى «العراق»، لصد عدوان الفرس، فعمل
«عمر» بوصية «أبى بكر»، وأرسل جيشًا على الفور إلى
«العراق» بقيادة «أبى عبيد بن مسعود الثقفى». وفى شهر
شعبان من سنة ١٣هـ خاض «أبو عبيد بن مسعود» معركة ضد
الفرس سميت بموقعة الجسر، لأن المسلمين أقاموا جسرًا على
«نهر الفرات» لعبور قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، وكان
عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم
يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين
نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر
أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا
انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا
كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب
أوضاعهم، لكن «أبا عبيد» لم يستجب لهم، فحلت الهزيمة
بالمسلمين على يد القائد الفارسى «بهمن جاذويه»، وقُتل «أبو
عبيد» نفسه، واستشهد أربعة آلاف مسلم. بذل «المثنى بن
حارثة» جهدًا كبيرًا فى تأمين عبور من بقى من قوات المسلمين
إلى الناحية الأخرى، وأدرك أنه لابد من خوض معركة أخرى مع
الفرس، حتى لا تؤثر الهزيمة فى معنويات المسلمين، وبخاصة
أنها كانت أول مرة يهزمون فيها فى هذه الجبهة منذ أن بدأت
الفتوحات. استدرج «المثنى بن حارثة» قوات الفرس للعبور إلى
غرب النهر، فعبروا إليه مدفوعين بنشوة النصر السابق، وظنوا
أن تحقيق نصر آخر سيكون أمرًا سهلا، لكن «المثنى» فاجأهم
بعد أن استثار حمية العرب القاطنين فى المنطقة، وأوقع بالفرس
هزيمة كبيرة، على حافة نهر يُسمى «البويب» الذى سميت
المعركة باسمه. وعلى الرغم من هذا النصر الذى أعاد به
«المثنى» الثقة إلى قواته، فإنه أدرك بعد طول تجربة أنه لن
يستطيع بمن معه من قوات أن يواجه الفرس الذين ألقوا بثقلهم