بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله فى قلوبنا
التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما
قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله .. وقال: من تابعكم
على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه
الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه».
رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة منه بقدرة جيوشه
بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب، وعاد الوفد إلى «سعد
بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث، فاستعد هو للمعركة
الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى الحرب بين الفريقين،
واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع، وأسفرت عن نصر حاسم
للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل قائدهم «رستم»،
وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة «القادسية» من
المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر «العراق» العربى
نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى دامت قرونًا،
وأعادته إلى أهله العرب المسلمين. انفتح الطريق أمام المسلمين
بعد انتصارهم فى «القادسية» إلى «المدائن» عاصمة الفرس،
فعبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان
الفارسى»، ودخل «المدائن»؛ ليجد الملك الفارسى قد فرَّ منها،
وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره
الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة
والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة
الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله
تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة
كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت
عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: ٢٥ - ٢٩].
أرسل «سعد» إلى «عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما
حازوه من غنائم، ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد
فارس، لكن «عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا