وبذلك يعتبر هذا الملك المؤسس الحقيقى لسلطنة «مالى»
الإسلامية. وقد برزت سلطنة «مالى» فى سماء الحياة السياسية
فى غربى إفريقيا كأعظم ماتكون، واتخذت حاضرة جديدة لها،
ترمز إلى الدولة وإلى نفوذها وقوتها النامية وهى عاصمتها
الجديدة «نيانى» أو «مالى»، بدلا من عاصمتها القديمة
«جارب»، وتقع العاصمة الجديدة على أحد روافد «نهر النيجر».
استمرت حركة التوسُّع بعد ذلك، ففى عهد «منسى ولى» (٦٥٣ -
٦٦٩هـ = ١٢٥٥ - ١٢٧٠م) خليفة «مارى جاطة» استولى قواده
على منطقة «وانجارة» الغنية بمناجم الذهب، كما استولوا على
مدينتى «بامبوك» و «بندو»، ولم تتوقَّف الفتوح بعد «منسى
ولى»، إنما استمرت فى عهد خلفائه - أيضًا - حتى وصلت الغاية
فى عهد ملك «مالى» الشهير «منسا موسى» (٧١٢ - ٧٣٨هـ =
١٣١٢ - ١٣٣٧م) الذى استولت قواته على مدن «ولاته»
و «تمبكت» و «جاو» فى «النيجر الأوسط»، وبلغت دولة «مالى»
الإسلامية فى عهده ذروة مجدها وقوتها واتساعها، فقد امتدت
من بلاد «التكرور» غربًا عند شاطئ «المحيط الأطلسى» إلى
منطقة «دندى» ومناجم النحاس فى «تكدة» شرقى «النيجر»،
ومن مناجم الملح فى «تغازة» فى الصحراء شمالا إلى
«فوتاجالون» ومناجم الذهب فى «ونقاره» جنوبًا، كما شملت
الحدود الجنوبية منطقة الغابات الاستوائية. وتقدر مساحة
«مالى» زمن السلطان «منسا موسى» بمساحة كل دول غربى
أوربا مجتمعة، وتعتبر «مالى» من أعظم الإمبراطوريات فى
القرن الرابع عشر الميلادى، وفاقت شهرتها دولة «غانة»؛ من
حيث العظمة والقوة والثروة والاتساع والشهرة، فقد ضمَّت داخل
حدودها مناجم الذهب والملح والنحاس، وتحكَّمت فى طرق
القوافل بين هذه المناجم شمالا وجنوبًا، ونتج عن ذلك ثراء جم،
يظهر ذلك من وصف «ابن بطوطة» و «الحسن الوزَّان» لهذه
المملكة. لكن ما كادت الدولة تبلغ الغاية فى القوة حتى بدت
عليها مظاهر الضعف؛ فأَغرق الملوك فى الترف، وفقدوا الروح