تفوق مساحة أرض مملكة الحبشة المسيحية نفسها، بل كانت
تحيط بالحبشة من الجنوب والشرق، فضلا عن إحاطة الإسلام بها
من ناحية السودان من الشمال والغرب، مما أدى إلى عزل مملكة
الحبشة عزلا تاما عن العالم الخارجى، ولاسيما بعد استيلاء
المسلمين على ميناء «عدل» قرب «مصوع»، ولذلك لاندهش من
أنه عندما تولت الأسرة «السليمانية» عرش الحبشة عام (٦٦٩هـ =
١٢٧٠م)، رسمت لنفسها خطة لتوسيع سلطان «الحبشة» على
حساب جيرانها من المسلمين الذين كانوا يسيطرون على الموانى
ومن ثم على التجارة الخارجية. وبذلك بدأت أولى مراحل الجهاد
والصراع بين «أوفات» وتوابعها من الإمارات الإسلامية وبين
ملوك الحبشة من ذلك الحين، وكانت البداية المبكرة على أيام
الملك «ياجبياصيون» (٦٨٤ - ٦٩٣هـ = ١٢٨٥ - ١٢٩٤م) الذى شن
حملة صليبية عنيفة ضد إمارة «عَدَل» التابعة لأوفات، وكان قد
استشعر خطر الاتحاد الإسلامى الذى كانت تدعو إليه سلطنة
«أوفات»، فضلا عن أن تلك السلطنة أعلنت زعامتها على
الممالك الإسلامية المجاورة لها فى بلاد «الزيلع»، وكان هذا
أمرًا يتعارض مع مشاريع ملوك الحبشة الجدد، فقاموا بحملتهم
تلك التى أشرنا إليها، وانتهت بانتصارهم. وترجع هذه الهزيمة
إلى أن حركة المقاومة التى تزعمتها «أوفات» لم تكن منبعثة
عن وحدة وتعاون فعال بينها وبين الممالك الإسلامية، ولذلك
هزمهم الأحباش من أول لقاء، بل يقال إن إمارتين إسلاميتين
عاونتا ملك الحبشة فى هجومه الذى انتهى بنهب «عَدَل» وعَقْد
هدنة بين الطرفين، وكان من الممكن أن تكون هذه الحرب هى
القاضية لولا تدخل سلطان «مصر» المملوكى الذى هدد بقطع
العلاقات وعدم الموافقة على تعيين «المطران» الذى طلبه
الأحباش، وكان يعين من قبل بطرك مصر، وأثمر هذا التدخل،
فقَبِل الأحباش الهدنة مع «أوفات». استطاع المسلمون تقوية
مراكزهم ودعم سلطانهم على طول منطقة الساحل، وكانوا
يرتقبون فرصة ضعف أو تخاذل فى صفوف أعدائهم، وعندما