التى أتت من البر والبحر، واستطاعت السيطرة على المناطق
الساحلية، ومع ذلك عمد «صلاح الدين» إلى تقوية جيشه وتنظيم
جبهته الداخلية على الرغم من مرضه، فطلب الصليبيون الصلح
الذى عُرف بصلح الرملة، وبدأت المفاوضات بين «الملك العادل»
نائبًا عن «صلاح الدين»، و «ريتشارد» قائد حملة الصليبيين،
واتفق الطرفان على «صلح الرملة» الذى كان من أهم شروطه: أ
- تخريب «عسقلان»؛ لأنها مفتاح «بيت المقدس». ب - يحكم
الصليبيون الساحل من «صور» إلى «يافا»، ويكون جنوبى ذلك
الساحل لصلاح الدين، على أن يقع «بيت المقدس» فى حدوده
وتحت سيطرته. ج - يُسمَح للمسيحيين بالحج إلى «بيت المقدس»
فى أمن وأمان. وهكذا اتفق الطرفان على بنود هذا الصلح
التاريخى، ليكون بداية مرحلة جديدة لهذه البلاد، التى فقدت
قائدها «صلاح الدين» عقب هذا الصلح، ليأخذ الصراع مع
الصليبيين وضعًا آخر. وفاة صلاح الدين الأيوبى: خرج «صلاح
الدين» من «القاهرة» لآخر مرة فى طريقه إلى الشام سنة
(٥٧٨هـ)، لتوحيد صفوف المسلمين وإعدادهم لقتال الصليبيين،
وعلى الرغم من طول فترة حكمه التى بلغت أربعة وعشرين
عامًا فإنه لم يمكث فى مصر سوى ثمانى سنوات فقط، فلما
أراد مغادرة «القاهرة» فى المرة الأخيرة، خرج رجال القصر
لتوديعه عند بركة الجيش وأنشده أحد الشعراء شعرًا استاء منه،
وشعر أنه لن يرى «مصر» ثانية، وقد صح حدسه؛ إذ مرض أثناء
مفاوضاته مع الصليبيين فى «صلح الرملة» ولزم فراشه؛ ثم لقى
ربه فى سنة (٥٨٩هـ = ١١٩٣م)، وله من العمر خمسة وخمسون
عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين
بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامى بقوة إيمانه من كوارث داخلية
وخارجية كادت تودى به وتوقعه فى أيدى الأعداء. يُعدُّ «صلاح
الدين» من الشخصيات العظيمة النادرة فى التاريخ الإسلامى،
فقد كان سياسيا ماهرًا، وقائدًا محنكًا نبيلا، مخلصًا فى