حَكَمًا يُرْجَع إليه فى المنازعات الداخلية فى هذه الممالك. اهتم
الناصر بالعمران اهتمامًا كبيرًا، وأسس مدينة (الزهراء (، وأنشأ
بعض القواعد الأندلسية، وغدت البلاد على أيامه أقوى قوة
سياسية فى العالم الإسلامى، حتى هادنته ملوك شمالى الأندلس
وملوك ألمانيا وإيطاليا وبيزنطة، وغَصَّ بلاطه بسفراء تلك الدول.
ومن أبرز ما قام به (عبد الرحمن الناصر (، اتخاذه لقب (أمير
المؤمنين (، سنة (٣١٧هـ= ٩٢٩م)، محوِّلا الإمارة الأندلسية إلى
خلافة يهابها الأعداء، ويعتز بها الأصدقاء، وفَرْض سيطرة بلاده
على عدوة المغرب، وتقليل نفوذ الفاطميين هناك، حتى غدا
رجل العالم الإسلامى بلا منازع. أما من الناحية العِلْمية، فقد غدت
(قرطبة (موئِلا للعلم والعلماء يؤمُّها طلاب العلم من كل أنحاء
الدنيا، ولا تبالغ المصادر فى اعتبار عصر الخلافة فى
(الأندلس (هو العصر الذَّهبى للمسلمين فيها. حكم (عبد الرحمن
الناصر (الأندلس خمسين عامًا، وترك البلاد من بعده مستقرة آمنة،
وأوصى بالخلافة من بعده لولى عهده (الحكم المستنصر بالله (. ٩
- الخليفة (الحكم المستنصر بالله ((٣٥٠ - ٣٦٦هـ= ٩٦١ - ٩٧٦م). وُلد
(الحكم بن عبد الرحمن (بمدينة (قرطبة (سنة (٣٠٢هـ= ٩١٤م)،
واعتنى والده بتربيته عناية فائقة، وقام بتدريبه على أعباء
الحكم والقيادة، وأخذ له العهد بخلافته، وهو فى سِنٍّ مبكرة،
وبويع له غداة وفاة (النَّاصر (، سنة (٣٥٠هـ= ٩٦١م)، وكانت سنُّه
-حينذاك- (٤٨) سنة؛ ولذلك كان مكتمل الخبرة، جديرًا بالقيادة
فى (الأندلس (. كان عهد (الحكم (عهد سلام واطمئنان، فقد ترك له
والده الأمور موطَّدة، فصرف همَّه إلى العناية بالعلم والعلماء،
وبلغ فى ذلك الغاية، وأربى على النهاية، كما اهتم بالكتب،
حتى بلغ عددها فىمكتبته (٤٠٠) ألف مجلَّد، وتذكر المصادر أنه
أرسل ألف دينارذهبًا إلى (أبى الفرج الأصفهانى (فى (بغداد (؛
لكى يرسل نسخة من كتابه (الأغانى (إلى (قرطبة (قبل ظهوره