«المدينة» وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده
الشريفة، فأصابت بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟».
فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -:
«أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا».
[صحيح مسلم]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعين من
الصحابة من يقوم بهذا العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل
شىء، فكلَّف «عمر بن الخطاب» بمراقبة سوق «المدينة
المنورة»، وعين «سعيد بن العاص» لمراقبة سوق «مكة» بعد
فتحها. واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل «المحتسب»
بأنفسهم أحيانًا، وينيبون غيرهم للقيام به فى أحيان أخرى.
ولما اتسعت الدولة الإسلامية فى عصر «بنى أمية»، عجز
الخلفاء عن القيام بعمل «المحتسب» بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام
كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية، وخصصوا لهذا العمل من يقوم
به، وأصبح نظام «الحسبة» ووظيفة «المحتسب» من أهم النظم
الإسلامية التى تعمل على سلامة المجتمع، وتنقيته من كل
المفاسد. وقد امتد عمل «المحتسب» إلى كل مجالات الحياة
تقريبًا، وقد لخَّص «ابن خلدون» فى مقدمته اختصاصات
«المحتسب» فقال: «ويبحث - المحتسب - عن المنكرات، ويعزِّر
ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة فى
المدينة، مثل المنع من المضايقة فى الطرقات، ومنع الحمالين
وأهل السفن من الإكثار فى الحمل - لئلا تغرق السفينة بمن فيها
- والحكم على أهل المبانى المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما
يتوقَّع من ضررها على السابلة - أى: المارة فى الطريق -
والضرب على أيدى المعلمين فى المكاتب وغيرها فى الإبلاغ -
أى المبالغة - فى ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه
على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه
من ذلك، ويرفع إليه، وليس له الحكم فى الدعاوى مطلقًا، بل
فيما يتعلق بالغش والتدليس فى المعايش وغيرها، وفى المكاييل