للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء آمنوا بالله ورسوله، على حين بقى اليهود على دينهم ولم

يؤمنوا، ولم يجبرهم الرسول على اعتناق الإسلام؛ إذ لا إكراه فى

الدين، ومن ثم كان لابد من تحديد وضعهم فى الدولة الجديدة بنصوص

صريحة، يُرجع إليها عند الضرورة.

ونص المعاهدة، كما رواها «ابن إسحاق»:

«بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى - صلى الله عليه

وسلم - بين المؤمنين والمسلمين، من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق

بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس» وهذا إعلان

صريح للأساس العقدى للدولة الجديدة، وباب الانتساب إليها

هوالإيمان بالله ورسوله، وعلى هذا الأساس تمارس الدولة سياستها

وسلطتها العليا فى الداخل والخارج. وجاء فى المعاهدة؛ وهو فى

غاية الأهمية:

«وأنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا

متناصر عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين، ماداموا محاربين،

وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين

دينهم، .. وأن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف، .. ».

وأخذت الوثيقة تعدد سائر المجموعات اليهودية فى «المدينة»، ثم

أضافت شيئًا مهمًا آخر، حيث نصت: «وأنه لا يخرج أحد منهم -من

«المدينة» - إلا بإذن محمد».

وهذا ليس تقييدًا لحريتهم، وإنما هو إجراء وقائى اقتضته ظروف

الدولة الناشئة؛ خوفًا من عمليات التجسس، ونقل أخبار الدولة إلى

أعدائها، وبخاصة أنها تعتبر فى حالة حرب مع «قريش»، التى

أجبرت المسلمين على ترك أوطانهم وديارهم وأموالهم.

وهذه المعاهدة كانت مهمة وأساسية فى إعلان ميلاد دولة المسلمين

بقيادة النبى - صلى الله عليه وسلم -، باعتراف جميع أطرافها بهذه

القيادة، كما يفهم من عبارة النص الآتى: «وأنه ما كان بين أهل

هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله

عز وجل، وإلى «محمد» رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الله

على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبره».

<<  <  ج: ص:  >  >>