وقد تولى الخلافة بعد «الناصر» ابنه «أبو نصر محمد» الملقب
بالظاهر بأمر الله، وكان حسن السيرة، عادلاً، لكن خلافته لم تطل،
فقد تُوفِّى فى (١٤ من رجب سنة ٦٢٣هـ = ١١ من يوليو سنة ١٢٢٦م)،
فلم يدم فى الخلافة عامًا.
وتولى الخلافة بعد الظاهر بأمر الله ابنه «أبو جعفر المنصور» الملقب
بالمستنصر بالله، فسار على طريقة أبيه فى العدل والإحسان
وتقريب أهل العلم والدين، وقمع المتمردين، ولكن الظروف القاسية
التى أحاطت بالخلافة فى ذلك الوقت قيدت الخلفاء وشلت قدرتهم
على العطاء، فقد تصاعد خطر المغول فى خلافة «المستنصر بالله»
(٦٢٣ - ٦٤٠هـ = ١٢٢٦ - ١٢٤٢م)، وأصبح على أبواب «العراق»، حيث
تعرضت «الجزيرة» فى شمال «العراق» لهجمات المغول المدمرة.
وقد اجتمع على المسلمين فى هذه الفترة الخطر المغولى القادم من
الشرق، والخطر الصليبى القادم من الشمال، وانشقاق البيت الأيوبى
على نفسه عقب وفاة «صلاح الدين الأيوبى»، ولم يستطع الخليفة
«المستنصر» أن يفعل شيئًا لعدم قدرته على ذلك.
وبعد وفاة الخليفة «المستنصر» فى (جمادى الآخرة سنة ٦٤٠هـ =
نوفمبر سنة ١٢٤٢م) تمت البيعة لابنه «أبى أحمد عبدالله» الملقب
بالمستعصم بالله، وهو آخر الخلفاء العباسيين فى «العراق»، وكان
عمره حينئذٍ ثلاثين عامًا.
ورغم أن «المستعصم بالله» كان موصوفًا بالصلاح والتمسك بالسنة
فإنه لم يكن كأبيه «المستنصر» أو جده «الناصر» فى التيقظ والحزم
وعلو الهمة.
ومما زاد الموقف سوءًا استعانته منذ سنة (٦٤٢هـ = ١٢٤٤م) بوزير
غير ثقة هو مؤيد الدين «أبو طالب محمد بن أحمد العلقمى»، الذى
وصفه المؤرخون بأنه كان رافضيا خبيثًا حريصًا على زوال «الدولة
العباسية»، ونقل الخلافة إلى العلويين، ويقال إنه راسل المغول
وأطمعهم فى القدوم إلى «بغداد»، حتى ينجو من القتل عندما
يدخلونها.
وقد شهدت خلافة «المستعصم» حدثًا خطيرًا كانت له آثاره البعيدة