تأخذ الأمم القوية بأسباب قوتها، وتعمل على استثمار الإمكانات
المتاحة لها لتنمية ثرواتها، لذا فإن تقدم الأمم وقوتها مرتبط بنجاح
اقتصادها وقوته واستمرار روافده، وكانت الدولة الأيوبية إحدى
الدول القوية ذات الاقتصاد القوى، فقد امتلكت ما تركه الفاطميون
عقب سقوط دولتهم، ونظمت الخراج والجزية، بالإضافة إلى غنائم
حروبها وفدية الأسرى، واستخدمت هذه الموارد لصالح البلاد
الإسلامية كافة، وأنفقت على تسليح الجيش وإعداده جزءًا كبيرًا
منها، وبنت القلاع والحصون، وقامت بالإصلاحات الداخلية فى البلاد.
غَيَّر «الناصر صلاح الدين» النظام الاقتصادى الذى كان سائدًا قبله،
وقلل من النظام الإقطاعى، فقضى بذلك على استقلال أمراء
الإقطاعات، وقوَّى الحكومة المركزية، فكان لهذا أثره الكبير فى
ازدهار حالة البلاد الاقتصادية.
وقد أولى «الأيوبيون» الزراعة عنايتهم؛ فهى عماد حياة البلاد،
فطهَّروا الترع، وأقاموا الجسور، ونظموا وسائل الرى، لدرجة أن
السلطان «الكامل» كان يراقب المهندسين بنفسه أثناء إقامتهم
السدود والخزانات، وغير ذلك من أعمال الرى الخاصة، فنشطت
الزراعة دون أن تؤثر الحروب عليها، فقد كانت حروب الأيوبيين
تتوقف فى «سوريا» شتاءً، وهو موسم الزراعة فى «مصر».
ونشطت التجارة كما ازدهرت الزراعة فى العصر الأيوبى، وأصبحت
«مصر» -آنذاك - همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب، وعقد
السلطان «العادل» معاهدة تجارية مع «البندقية» فى سنة (٦٠٥هـ =
١٢٠٨م)، حصل البنادقة بمقتضاها على تسهيلات تجارية فى الموانى
المصرية، خاصة «الإسكندرية»، فى مقابل أن يمنعوا الصليبيين، من
التقدم نحو «مصر»، فلما ولى السلطان «الكامل» حكم البلاد أقر ما
اتفق عليه السلطان «العادل» مع أهل «البندقية»، وسمح لهم
بتأسيس سوق تجارية فى الإسكندرية، سُمِّيت «سوق الأيك»، ومنح
الامتيازات نفسها لأهل «بيزة» الذين أرسلوا قنصلا لهم إلى