بصورة كبيرة على التجارة التى تحولت من حوض «البحر الأبيض
المتوسط» إلى «المحيط الأطلسى» ونضبت خزائن «مصر» من الأموال
التى كانت تأتيها من تجار «البندقية» و «جنوة»، الذين كانوا ينقلون
تجارتهم من «الشرق» إلى «أوربا» عن طريق «مصر» ويدفعون لها
الضرائب عن دخول تجارتهم وخروجها منها، فكان لذلك أثره على
كساد التجارة والزراعة، ولم تعد «مصر» تنتج للأسواق الخارجية
كثيرًا، فقلت موارد البلاد، وتهددتها المجاعات، وانحط شأن
«الإسكندرية»، وقل عدد الأجانب بها، وتأخرت الصناعات الحيوية،
وتدهورت الحالة الفنية؛ لقلة الأموال اللازمة، فهيأ هذا الوضع الفرصة
للسلب والنهب الذى قام به بعض أفراد المماليك، فدب الضعف فى
أوصال الدولة، وبدأت تأخذ طريقها إلى الضعف والتلاشى؛ لأن موارد
البلاد لم تعد كافية لسد احتياجاتها الضرورية، وزاد الأمر سوءًا فى
نهاية عصر المماليك إذ كثرت الدسائس والمؤامرات، وحوادث السلب
والنهب، وتعرضت «مصر» للمجاعة والاضطراب فى عهد «السلطان
برقوق» و «السلطان شيخ المؤيد» و «السلطان قايتباى»، وزادت
الاضطرابات فى أنحاء البلاد، ولا تكاد تستقر حتى تعود إليها
الفوضى ثانية؛ بسبب الفتن التى زادت حدتها فى عهد المماليك
البرجية على وجه الخصوص، لدرجة أن «فايربك» أحد أمراء المماليك
البرجية هو الذى ساعد العثمانيين - بخيانته - على الدخول إلى
«مصر» والشام، وهذا دليل قاطع على مدى التدهور والضعف اللذين
وصلت إليهما الدولة فى آخر أيامها.
لقد انتهت دولة المماليك بعد أن ظلت مدافعة عن العالم الإسلامى حقبة
دامت أكثر من قرنين ونصف القرن، شهد العالم الإسلامى خلالها
حضارة زاهرة مازالت آثارها باقية حتى الآن، ونعم المسلمون فيها
بالرخاء والعزة والعدل والطمأنينة، إذ عُرف المماليك بالعدل وحب
العمران، كما عرفوا بمهاراتهم الفائقة فى الفروسية والقتال، فهم
الذين ردوا المغول ودحروا الصليبيين، وتاريخهم المجيد يشهد لهم