الذى دار بين حكام «الحجاز» أنفسهم كانا من أسباب تدخل الأيوبيين
المباشر فى شئون «الحجاز»، وظلوا على ذلك حتى دخلت المنطقة
فى مرحلة جديدة تحت حكم المماليك.
المماليك والحجاز:
خلفت دولة المماليك الأولى دولة الأيوبيين فى ملكها الواسع ونفوذها
العريض، وحملت لواء الجهاد من بعدها فى وجه الصليبيين والمغول،
فلما تعاظمت قوة المماليك، وصارت «القاهرة» مقرا للخلافة العباسية
تطلع المماليك إلى السيطرة على الحرمين الشريفين كمظهر مكمل
لسيطرتهم على العالم الإسلامى، فأدرك «أبو نهى» حاكم «مكة» أن
المماليك غدوا مركز الثقل فى المنطقة، فأعلن الولاء لهم، وبدأ عهد
جديد فى علاقة «مصر» بالحجاز سياسيا واقتصاديا، ودينيا،
واجتماعيا، وعلميا، إذ حرص «الظاهر بيبرس» عندما ذهب للحج فى
سنة (٦٦٧هـ) على تثبيت سلطان المماليك فى «الحجاز»، وتقوية
علاقتهم بها، فكان «أبو نهى» محور هذه العلاقات فترة طويلة، ثم
من بعده أولاده وأحفاده الذين دخلوا فى سلسلة طويلة من
المنازعات والخصومات، فكان سلاطين المماليك -دائمًا - يعملون على
إيجاد الحلول لخصوماتهم، وتسليم السلطة فى «الحجاز» لمَنْ يثقون
به منهم، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا فى عهد المماليك
الشراكسة، حيث ظهرت بالحجاز شخصيات قوية مثل «الحسن بن
عجلان» الذى سيطر على الأمر فى «الحجاز»، وحاول المماليك
التدخل، ولكنهم لم يستطيعوا - فى أواخر عهدهم - أن يغيروا من
أوضاع «الحجاز» السياسية، وظل الأشراف مسيطرين على «الحجاز»
طوال عهد المماليك، ومن بعدهم.
أمَّن المماليك طرق التجارة بين «مصر» و «الحجاز»؛ فقد كانت تدر
عليهم أموالا طائلة، وأصدروا أوامرهم بإلغاء المكوس التجارية فى
الحرمين الشريفين، وأصدروا مراسيم تحدد مكوس التجارة الواردة
إلى «جدة»، وكانوا يهبُّون إلى نجدة أهل الحرمين فى أزماتهم
الاقتصادية، ويرسلون إليهم المعونات من الحبوب والمؤن.