و «ليون»، وبهذه الإنجازات التى حققها القائدان شعرا أنهما أتما
فتح شبه الجزيرة، وأن بإمكانهما الآن تلبية دعوة الخليفة «الوليد»
وبخاصة أنه قد بعث برسول يتعجَّل عودتهما.
أخذ الفاتحان العظيمان طريق العودة إلى المشرق فى (ذى القعدة
٩٥هـ = يوليو ٧١٤م) بعدما نظما شئون البلاد، ورسما سياسة
الحكومة، واتخذا «إشبيلية» عاصمة؛ لموقعها وقربها من البحر، ثم
أسرعا السير نحو العاصمة «دمشق» فوصلاها بعد تولية «سليمان بن
عبدالملك» الخلافة، خلفًا لأخيه «الوليد»، وظلا هناك ولم يعودا
لمواصلة الفتح.
وكان «موسى بن نصير» قد ترك ابنه «عبدالعزيز» واليًا على
الأندلس، فقضى أيام ولايته فى استكمال فتح شبه الجزيرة الأيبيرية،
فى شرقها وغربها، ففتح كورة تدمير (مرسية) صلحًا بعد أن
استسلم ملكها، وقضى على جيوب المقاومة ولذا عده بعض المؤرخين
ثالث فاتحى الأندلس، وكان معروفًا بالصلاح والتقوى والشجاعة
والإقدام، بارعًا فى تنظيم الحكومة وترتيب إدارتها، متبعًا سياسة
الرفق والاعتدال والوفاء بالعهد.
وبنجاح الفتح الإسلامى تنفس أهالى «الأندلس» نسيم الحرية، فقد
رفعت عنهم المغارم والأعباء، وعرف الناس سياسة التسامح
والإنصاف، وأمنوا على حياتهم وأموالهم وحرياتهم، وعاشوا حياة
العدل والمساواة، وترك لهم حق اتباع قوانينهم والخضوع لقضاتهم،
ولم يظلم أحد بسبب دينه أو عقيدته، ولم يفرض الإسلام عليهم فرضًا،
ومن أسلم عن طواعية ودون إكراه فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم،
ومن بقى على دينه لم يكلف بأكثر من الجزية. مقابل حمايته والدفاع
عنه وتأمين حقوقه.
حريق السفن وخطبة طارق:
يرتبط بفتح المسلمين للأندلس مسألة حرقهم لمراكبهم بعد عبورهم
المضيق، والخطبة التى ألقاها «طارق» بعد هذا العبور.
أما مسألة إحراق السفن فإن الدراسة التاريخية ترفض التصديق بقيام
مثل هذا العمل من «طارق»، فلم يكن المسلمون فى حاجة إليه