للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد «عنبسة» توالى على «الأندلس» سبعة من الولاة بين سنتى

(١٠٧ - ١١٢هـ = ٧٢٥ - ٧٣٠م) تفاقمت خلالها المشكلات، وازدادت

الاضطرابات، وانتشر الخلل والخلاف بين الزعماء ورجال القبائل فى

الأندلس، وتجددت المنازعات بين العرب البلدانيين (وهم العرب الذين

طال بهم المقام والعمل فى إفريقية حتى سمو بالبلدانيين)،

والشاميين، وهاجم الأعداء القواعد الإسلامية.

عبدالرحمن الغافقى:

ظلت الأمور تجرى على هذا النحو المضطرب حتى عُيِّن «الغافقى»

واليًا على الأندلس من قبل والى «إفريقية»، فى (صفر ١١٢هـ = مارس

/ إبريل ٧٣٠م) لتبدأ فترة ولايته الثانية، وقد أيد الخليفة هشام بن

عبدالملك ذلك الاختيار.

وكان «الغافقى» من كبار رجالات الأندلس عدلاً وصلاحًا، وقدرة

وكفاءة، نظَّم شئون البلاد، وأصلح نظم الحكم والإدارة، وعين

أصحاب الكفاءات فى المناصب المختلفة، وقمع الظلم، ورد إلى

النصارى كنائسهم وأملاكهم، وفرض ضرائب عادلة وعنى بتنظيم

الجيش وإصلاحه، وأنشأ فرقًا من العرب والبربر، وحصن القواعد

والثغور الإسلامية، وجمع أعظم جيش سيره المسلمون إلى فرنسا.

موقعة بلاط الشهداء:

فى أوائل سنة (١١٤هـ = ٧٣٢م) سار «الغافقى» بجيوشه نحو

الشمال وعبر جبال «البرت» من طريق «بنبلونة» ودخل فرنسا؛ حيث

قام بمعارك ناجحة ضد أعدائه، وفتح نصف فرنسا الجنوبى كله من

الشرق إلى الغرب فى بضعة أشهر، وواصل زحفه المظفر حتى

أشرف بجيشه على نهر اللوار، وهناك احتشد له «شارل مارتل»

بجيش ضخم من الفرنج والمرتزقة نصف العراة، ويتشحون بجلود

الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية.

استولى المسلمون على مدينتى «بواتيه» و «تور»، ثم فاجأهم العدو

دون أن تشعر به طلائع المسلمين أو تحسن تقدير عدده، وأراد

عبدالرحمن أن يقتحم «اللوار» ففاجأه «شارل مارتل» بجموعه

الجرارة فارتد إلى السهل الواقع بين مدينتى «بواتيه» و «تور»،

<<  <  ج: ص:  >  >>