وفى أواخر عهد الحكم اشتعلت فى «قرطبة» ثورة عنيفة سميت
ثورة الربض، بسبب كراهية «المولِّدين» للحاكم، وبغضهم له لصرامته
وقسوته، واتهامهم له بممارسة اللهو والشراب، والمبالغة فى فرض
الضرائب، وقد تأجج لهيب الثورة فى الربض الجنوبى المسمى
«شقندة» بصفة خاصة يوم (١٣ من رمضان ٢٠٢هـ = ٢٥ من مارس
٨١٨م) وتوجه الثوار إلى القصر، وتأهب الحكم ورجاله لردِّهم، وقد
نجحوا فى ذلك، ثم مالبث أن شقت قوات الحكم طريقها إلى النهر،
وعبرته إلى الضاحية الأخرى موطن الثائرين وأضرمت النيران فى
جوانبها، فأسرع الثوار إلى دورهم، لإطفاء النيران وإنقاذ الأهل
والعشيرة.
وفى هذه اللحظة أحاط الجنود بالثوار، وأوسعوهم قتلا ومطاردة
ونهبوا دورهم، واستمرت هذه المأساة ثلاثة أيام، فرَّ خلالها إلى
طليطلة من استطاع، ثم نودى بالأمان بعد أن هدأت الفتنة، ثم أصدر
الحكم قرارًا بهدم دور الثوار ولاسيما فى الضاحية التى شهدت ميلاد
الثورة، فتم محوها تمامًا، ثم أمر بإخراج الثائرين من قرطبة،
فتفرقوا فى الثغور، وعبر بعضهم إلى العدوة الأخرى بالمغرب،
وهاجر بعضهم إلى طليطلة وشمالى غربى الأندلس.
كما ركب نحو (١٥) ألفًا منهم سفنًا رست بهم فى ميناء الإسكندرية،
حيث أقاموا فيها، غير أن والى مصر «عبدالله بن طاهر» أجبرهم
على الرحيل، فتوجهوا إلى جزيرة «كريت» وفتحوها سنة (٢١٢هـ =
٨٢٧م)، وأسسوا بها دولة زاهرة، بقيت هناك إلى أن استولى عليها
البيزنطيون سنة (٣٥٠هـ = ٩٦١م).
وعلى الرغم من نجاح «الحكم» فى القضاء على هذه الحركة الثائرة،
فإن أهل «قرطبة» تضاعفت كراهيتهم له، وزاد من نفورهم منه ما
فرض عليهم من ضرائب.
مرض الحكم بعد ذلك، وأخذ البيعة لولى عهده فى حياته، وأبدى
أسفه لما وقع منه لأهل الربض، ثم مات فى (٢٦ من ذى الحجة ٢٠٦هـ
= ٢٢ من مايو ٨٢٢م) بعد أن لُقِّب بالربضى، نسبة إلى ماقام به من
أعمال شنيعة فى منطقة الربض الجنوبى.