للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التى ستلى أمر الخلافة، فلن يضير «عمر» أن نفرًا من ذوى الرأى لم

يؤيدوا ترشيحه، بل يكفيه أن أغلب الصحابة أجمعوا على تزكيته،

ورضوا به لهذا المنصب الجليل، وهذا ما تسير عليه الآن الأمم الحرة

فى اختيار حكامها، فالإجماع ليس شرطًا ضروريًا فى اختيار الحاكم.

اطمأنت نفس «أبى بكر الصديق» بعد أن استشار كبار الصحابة إلى

اختيار «عمر بن الخطاب» خليفة من بعده، فأشرف على الناس وهو

مريض، وقال: «أترضون بمن أستخلف عليكم؟، فإنى والله ما آلوت

من جهد الرأى، ولا وليت ذا قربة، وإنى قد وليت عليكم عمر بن

الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا» فقالوا: سمعنا وأطعنا.

بايع المسلمون «عمر بن الخطاب»، وبذا أصبحت خلافته شرعية.

وبعد الفراغ من دفن «أبى بكر الصديق» صعد «عمر بن الخطاب» منبر

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقف على درجة أدنى من الدرجة

التى كان يقف عليها «أبو بكر الصديق»، فحمد الله وأثنى عليه

وصلى على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وذكر «أبا بكر» - رضى

الله عنه - بكل خير، وقال: «أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولولا

أنى كرهت أن أرد أمر خليفة رسول الله ما تقلدت أمركم»، فأثنى

المسلمون عليه خيرًا، وزاد ثناؤهم حين رأوه يرفع بصره إلى السماء

ويقول: «اللهم إنى غليظ فليِّنِّى، اللهم إنى ضعيف فقونى، اللهم إنى

بخيل فسخِّنى».

وفى اليوم التالى لتوليه الخلافة خطب خطبة أخرى، أراد أن يوضح

فيها طريقته فى الحكم، ويزيل ما قد علق فى نفوسهم من خوفٍ من

شدته التى صرحوا بها لأبى بكر حين رشحه للخلافة، فقال: «بلغنى

أن الناس هابوا شدتى وخافوا غلظتى، وقالوا: كان عمر يشتد علينا

ورسول الله بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف

وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك فقد صدق .. إننى كنت مع

رسول الله فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين

والرحمة، وكان كما قال الله تعالى بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، فكنت

<<  <  ج: ص:  >  >>