للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بقيت صحيفة علي عنده إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله بن عمرو عنده وعند أولاده كما مَرَّ، فلو كان هناك نسخ لكان بقاء الصحيفتن دليلًا واضحًا جدًّا على أن الإذن هو المتأخر، وتقدم أن عمر عزم على الكتابة، وأشار عليه الصحابة بها ثم تركها لمعنى آخر، ولم يذكروا نهيًا كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك صريح فيما قلنا.

وقد أجاز الكتابة من الصحابة: عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أُمامة وأنس -رضي الله عنهم-، وروى هارون بن عنترة عن أبيه، أن ابن عباس رخص فيها ثم أجمعت عليها الأمة.

قال (ص ٢٦): "وثانيهما عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره".

أقول: أما النشر فقد نشروه بحمد الله تعالى، وبذلك بلغنا. وأما التدوين فيعني به الجمع في كتاب كما جمعوا القرآن، فاعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلا بد أن يحفظ وقد علمنا من دين الله أن على عبادة مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء، وأنه لا تنافي بين الأمرين، وفي جامع الترمذي و"المستدرك" وغيرها عن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هو من قدر الله".

فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين:

الأولى: حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب.

الثانية: بالكتابة، فكان يكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، فلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقليل استحر القتل بالقراء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنة نقص في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منه أبو بكر وقال: "كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " فقال عمر: "هو والله خير" يريد أنه عمل يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم

<<  <  ج: ص:  >  >>