وخشوا أيضًا من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدَعُوا القرآن لما مَرَّ (ص ٢٥) عن عمر و (ص ٢٧) عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية ويأكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به.
ثم ذكر (ص ٢٦) أشياء قد تقدم الجواب عنها.
ثم قال:"وكون التابعين لم يدونوا الحديث إلا بأمر الأمراء".
أقول: وجمع القرآن إنما كان بأمر الأمراء أبي بكر وعمر وعثمان، فإن قيل: هم أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا: فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده.
قال:"يؤيد ما ورد أنهم كانوا [قبل ذلك] يكتبون الشيء لأجل حفظه ثم يمحونه".
أقول: هذه حال بعضهم، وقد تقدم (ص ٢٧ - ٢٨) أن جماعة كانوا يكتبون ويبقون كتبهم.
قال:"وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه".
أقول: سيأتي رد هذا مفصلًا، والتحقيق أن بعض كبار الصحابة يرون أن تبليغ الأحاديث إنما يتعين عند وقت الحاجة، ويرون أنهم إذا بلغوا بدون حضور حاجة فقد يكون منهم خطأ ما قد يؤاخذون به، بخلاف ما إذا بلغوا عند حضور الحاجة فإن ذلك متعين عليهم، فإما أن يحفظهم الله تعالى من الخطأ، وإما أن لا يؤاخذهم، ولهذا رويت الأحاديث عنهم كلهم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان عنده حديث فتحققت الحاجة إلى العمل به فلم يحدث به.