وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثا بيِّن البطلان إلا وجدت في سنده واحدا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيرا ما يجرحون الراوي بخبرٍ واحدٍ منكرٍ جاء به، فضلا عن خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد "منكر" أو"باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء وكتب العلل والموضوعات.
والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا.
فأما تصحيح الأحاديث فَهُم به أَعْنَى وأشدُّ احتياطا. نعم ليس كل من حُكِي عنه توثيق أو تصحيح متثبتا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عَرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى.
وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها أو هي من قبيلها قد ثقلت هي أيضًا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدين بالقرآن يقتدي به، فمن المعقول جدًّا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.
من الحقائق التي يجب أن لا يُغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا.
وإن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات.