للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأولئك الكُتَّاب لا يَعرفون هذا المانع؛ لأنهم لا يجدونه في أنفسهم، ولا يجدون فيمن يخالطونه مَنْ تقهرهم سيرتُه على اعتقادِ اتصافِه بهذا المانع؛ لضعف الإيمان في غالب الناس ورقة التدين.

ولا يَعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع؛ لأنهم إنما يُطالعون التواريخ وكتب الأدب كـ"الأغاني" ونحوها، وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة.

كان فجرة الإخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراضٍ:

منها: دفع الملامة عن أنفسهم -يقولون ليس هذا العيب خاصًا بنا بل كان من قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل. ومنها: ترويج الفجور والدعاية إليه ليكثر أهله فيجد الداعي مساعدين عليه ويقوى عذره.

ومنها: ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدبون مراعي خصبة يتمتعون فيها بلذاتهم. ومنها: التقرب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذُّ لهم سماعُها، إلى غير ذلك.

وما يوجد في تلك الكتب من الصدق إنما يصوِّر طائفةً مخصوصةً كالأمراء المترفين والشعراء والأدباء ونحوهم.

ولو عكف أولئك الكُتَّاب على كتب السنة ورجالها وأخبارهم، لعلموا أن هذه الطائفة وهي طائفة أصحاب الحديث كان ذلك المانع غالبا فيهم.

وقد احتج بعضهم بما في "الأغاني" في أخبار عمر بن أبي ربيعة من طريق عبد العزيز ابن أبي ثابت -وهو عبد العزيز بن عمران- عن محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ...

ولو راجع تراجم هؤلاء في كتب رجال الحديث وفكَّر في أحوالهم وفي حال القصة لعلم بطلان القصة حتما.

<<  <  ج: ص:  >  >>