للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شعبة: "لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ" (١).

يقول الخطيب البغدادي (٢): "أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلبُ على إرادتهم كتْبُ الغريبِ دُون المشهور، وسماعُ المنكرِ دُون المعروفِ، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين الضعفاء، حتى لقد صار الصحيحُ عند أكثرهم مُجْتنبًا، والثابتُ مصْدُوفًا عنه مُطّرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من سلفنا الماضين".

نقل ذلك ابنُ رجب في "شرح العلل" (١/ ٤٠٩)، ثم قال: "وهذا الذي ذكره الخطيب حقٌّ، ونجدُ كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصولِ الصِّحاحِ كالكتبِ الستِة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطّبرانيّ، أو أفراد الدارقطني، وهى مجمعُ الغرائب والمناكير". اهـ.

ويلتحق بما ذكره ابن رجب: كتبُ الضعفاء، ككتاب العقيلي، وابن حبان، وابن عدي، وكتاب "الحلية" لأبي نعيم، و"مسند الفردوس" للديلمي، وأغلب ما يُساق في تراجم الرواة من كتب التواريخ مثل: تاريخ الخطيب، والحاكم، وابن عساكر، وغيرها، وكتابيّ أبي الشيخ وأبي نعيم في "الأصبهانيين" وغيرها من كتب تواريخ البلدان، وطبقات الرواة، وكتب "الفوائد"، والأجزاء الحديثية.

وهؤلاء وغيرهم إنما قصدوا جمع غرائب الأحاديث، وأوهام الرواة، وراموا جمع ما لم يكن مخرجًا في كتب الصِّحاحِ والأُصُولِ المعروفة، وإنما كانت تلك الأحاديث متداولةً على ألسنةِ من لم يكْتُبْ حديثهُ المحدثون، فهجروها عمدًا ولم يخرجوها في


(١) انظر هذه الأقوال وغيرها في كتاب "الكفاية" للخطيب (ص ١٤٠ - ١٤٣)، و"شرح علل الترمذي" (١/ ٤٠٦ - ٤٠٨).
(٢) "الكفاية" (ص ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>