كتبهم، وقد كانت تدور تارةً بين الوعاظ المتشدقين، وتارةً بين المتفقهين، وتارةً بين أهل الأهواء والبدع في الدين، وتارةً بين الضعفاء والمجروحين، وربما كان أصلُ تلك الأحاديث: آثارًا لبعض الصحابة والتابعين، أو كلامًا لبعض الحكماء والواعظين، أو قواعد مستنبطاتٍ من الفقه في الدين، أو أخبارًا لبني إسرائيل، أو معانيَ محتملاتٍ أو مفهوماتٍ من بعض أدلة الكتاب والسنة، فرواها قوم لا يعرفون غوامض الرواية، فجعلوها أحاديث مستقلةً برأسها عمدًا أو خطًا، وربما كانت جُملًا شتى في أحاديث مختلفة، جعلوها حديثًا واحدًا بنسقٍ واحدٍ.
وهذه الأحاديث لا تخلو عن أمرين:
إما أن المتقدمين تفحصوا عنها ولم يجدوا لها أصولًا حتى يشتغلوا بروايتها.
وإما أنهم وجدوا لها أصولًا ولكن صادفوا فيها قدحًا أو علة موجبةً لترك روايتها فتركوها (١).
وعلي كل حالٍ فليست تلك الأحاديث صالحةً للاعتماد عليها، حتى يُتمسّك بها في عقيدةٍ أو عملٍ.
وقد أضلّ هذا القسمُ قومًا مِمّنْ لم يتدبروا ما سلف من مناهج الأئمة والمصنِّفين، فاغْترُّوا بكثرة الطُّرقِ الواردةِ في تلك المصنفاتِ، وحسِبُوا أنهم وقفوا على ما لم يقفْ عليه المتقدمون، فسمُّوا تلك الطرق "متابعاتٍ" و"شواهد" فجعلوا الغرائب والمناكير عواضِد يشدُّون بها ما اسْتقرّ أهلُ النّقْدِ على طرْحِهِ ووهنِهِ.
ولم يفْطِنْ هؤلاءِ القومُ إلى أن عُصُور الرواية قد انقضتْ وتلك الأحاديثُ في عُيون النقاد غريبةٌ منكرةٌ مهجورةٌ.
(١) انظر كتاب "الحطة في ذكر الصحاح الستة" لأبي الطيب السيد صديق حسن خان القنوجي: (ص ٢١٨ - ٢٢١).