وقد اتفقوا على أن من كان مسلما مخالطا للمسلمين، ثم ارتكب كبيرة قد قامت الحجة بأنها كبيرة؛ كأن ترك صوم رمضان، فهو فاسق، فإن زاد على ذلك فزعم أنه لا حجة عنده على تحريم ما ارتكبه كان مرتدا، وهو في باب الأخبار أسوأ حالًا من المسلم المرتكب الكبيرة مع اعترافه بأنها كبيرة.
فإن قيل: إننا نجد من الكفار من يبالغ في تحري الصدق والأمانة حتى إن من يخبر حاله، ويتبع أخباره، قد يكون أوثق بخبره من خبر كثير من عدول المسلمين.
قلت: وكذلك في فساق المسلمين ممن يترك الصلاة المفروضة -مثلا- من يكون حاله في إظهار تحري الصدق والأمانة كحال الكافر المذكور.
وحَلُّ الإشكال من أوجه:
الوجه الأول: أن الظاهر من حال الكافر والفاسق الذي يُعرف بتحري الصدق أن المانع له من الكذب: الخوفُ من الناس، وحُبُّ السمعة الحسنة بينهم، وعلى هذا فهذا المانع إنما يؤثر في الأخبار التي يَخاف من اطلاع الناس على جلية الحال فيها، فلا يؤمن ممن هذا حاله أن يكذب إذا ظن أنه لا يوقف على كذبه.
الوجه الثاني: أنه لا يستنكر من الشارع أن لا يعتد بصدق مثل هذا؛ لأنه ليس بصدق يحمده عليه الشارع؛ إذ الباعث عليه هو رئاء الناس كما علمت.
الوجه الثالث: أنه لو فرض أنه يحصل من الوثوق بخبره كما يحصل بخبر المسلم العدل، فقد يكون الشارع جعل كفر هذا الرجل أو فسقه مانعا من قبول خبره في الدين؛ زجرا له، وعونا له على نفسه، لعله يستنكف من تلك الحال فيتوب، ورفعا لتلك المرتبة العلية -وهي أن يدان بخبر الرجل- عمن لا يستحقها.
الوجه الرابع: أن السبب الباعث على الحكم قد يكون خفيا، أو غير منضبط، فإذا كان هكذا فلو كَلَّفَ الشارعُ الناسَ ببناء الحُكم عليه، كان في ذلك مفاسد: