ومنها: أنه فتح لباب اتباع الهوى، ولكثرة الاختلاف واتهام الحكام، وغير ذلك.
فاقتضت الحكمة أن يبني الشارع الحكم على أمر آخر يشتمل على ذلك السبب غالبا، ثم تكفل الله عز وجل بتطبيق العدل بقضائه وقدره.
مثل ذلك: أن السبب الباعث على شرع العقوبة على ذنب هو الذنب، فإذا شرعت العقوبة على وجهين -مثلا- فإنما ذلك لاختلاف حال ذلك الذنب، فمن ذلك الزنا شرع الحد عليه على وجهين:
الأول: الجلد.
الثاني: الرجم.
ولا يخفى أن الجلد أخف من الرجم، وأن حقه أن يكون الرجم عقوبة لمن يكون زناه جرما أغلظ من زنا من عقوبته الجلد، ولكن الغلظ والخفة في الإجرام بالزنا لا ينضبط؛ لأنَّ شديد الشهوة أقرب إلى العذر من ضعيفها، وشدتها وضعفها أمر خفي وغير منضبط، والعاشق أقرب إلى العذر من غيره، والعشق يَخْفى ولا ينضبط، والمصادف للمرأة بغتة أقرب إلى العذر من المتصدي لها، والعاجز عن التزوج بالمرأة أقرب إلى العذر من القادر على زواجها، في أمور أخر.
فلذلك عَلَّقَ الشارعُ الفرقَ بالإحصان وعدمه؛ لأنَّ الغالب أن يكون المحصن أضعف عذرا من غيره، على أنه قد يتفق خلاف ذلك، فقد يكون شاب فقير، قوي البنية، شديد الشهوة، عاشقا لامرأة، عاجزا عن التزوج بها، وهو يحبس نفسه عن التعرض لها، والقرب من مكانها، ثم حاول أن يدافع داعيته، فتزوج امرأة فقيرة، فبات معها ليلة فهلكت، ثم لم يستطع الزواج بغيرها، ولم تزل نفسه متعلقة بمعشوقته، فبينا هو ليلة في خلوة لم يفجأه إلا دخول معشوقته عليه، ورميها نفسها بين ذراعيه، فلم يتمالك أن كان ما كان.